مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[أقوال ابن المقفع والرد عليها]

صفحة 433 - الجزء 1

  زور وبهتان، وأكثر قوله فيه هذر وهذيان، وليس فيما فنَّنَ في هذا من قوله لا في قصره ولا في طوله أكثر من أن الله أحدث صنعاً، وأبدع لا شريك له بدعاً.

  فإن قال قائل: ولِمَ أوجد صنعه؟ وما العلة التي لها أبدع بدعه؟ فهي الاختيار فيما أنشأ، وإظهار حكمته فيما أبدى، جوداً منه وكرماً لا يشوبُه حسد، ولا يجب به إلا له فيه حمد، وكفى بهذا لصنعه علة، وفيما سأل عنه جواباً ومسألة.

  فإن سأل سائل أو قال قائل: فما باله إذا كان الجود عندكم من علة صنعه وبريته، والجود فلم يزل عندكم من ذاته - لم يحدث الصنع قبل إحداثه؟ فهذا ضربٌ من غلط السؤال وأعياثه؛ إذ كان الصنع كيف ما كان حدثاً، وكان الله له في ذلك محدثاً، فهذا حوابنا له⁣(⁣١) فيما سأل؛ إذ كان في مسألته قد أحال، والحمد لله رب العالمين، وأول من أنعم من المنعمين.

  وأما قوله: فصارت الغلبة للشيطان؛ بأن تبعه الخلائق على ضلالته إلا أقلهم.

  فيا ويله ما في هذا من غلبته، بل هَبْهم تبعوه على ضلالته، فإنما تبعوه ومالوا إليه بأهوائهم، وأطاعوه لعمائهم⁣(⁣٢)، لا عن غلبة منه لهم، فوالله ما غلبهم، فكيف يغلب خالقه وخالقهم؟! ومتى غالب الله الشيطان فغلب أو غُلب؟ يأبى ابن المقفع - ويله - إلا اللعب، لئن كان الشيطان غلب الله بكثرة أتباعه لقد غلب الشرُ نورَه بكثرة أشياعه، ويله إنما يتبع الشيطان من أطاع هواه، وعمي عن الله مثل عماه، وسبلُه إلى الله لو أرادها ذُللٌ، وطريقُ نجاته بالحق له مُسهَّل، ولم يعص من عصى غلبةً ولا قهراً، ولم تطع نفس على طاعتها جبراً، إنما خُلِقَ الثقلان مخيرين بين الطاعة والعصيان؛ لتكون الطاعة بالاختيار إحساناً، والمعصية للإنسان عصياناً.

  وأما قوله عليه اللعنة: أدخلوا عليه الأسف والحسرة والغيظ - فكذب عدو


(١) «له» ساقطة من (أ).

(٢) في المخطوطات: لعذابهم.