[أقوال ابن المقفع والرد عليها]
  الله، لا يقال لله تحسَّرَ ولا غيظ، ولكن يقال لهم: آسفوا إذا(١) عصوا الله فأسرفوا، ولا يقال: تحسر الله ولا اغتاظ، وليس سبحانه مما يغاظ، يأبى ابن المقفع إلا عجمة اللسان(٢)، ومظلمة كذب البهتان، متى وجد الله سبحانه عما يقول زعم مما لا تقبله العقول؟ أظنه ذهبت به ذواهب استعجام الحيرة فيما ذكر عن الله سبحانه من الغيظ والحسرة إلى قول الله سبحانه: {يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ٣٠}[يس]، فهذه إنما هي حسرة على العباد لا عليه، وتحسُّر فيهم على الهدى لا فيه.
  وأما قوله سبحانه: {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ١٥}[الحج]، وهذا أيضاً فإنما كان لما هو لهم من أمر الله مغيظ، يقول سبحانه: أمَّا مَنْ أمري غاظه فليس يذهبه اغتياظه. وأما {آسَفُونَا}[الزخرف: ٥٥] فهو أفرطوا في عصياننا، فوجب عليهم بذلك تعجيل انتقامنا، لا على ما توهم من حرقة الأسف التي لا تحل إلا بكل مستضعف، ولقد كان له في هذا بيانٌ واضحٌ لو تبيَّن، ويقينُ علمٍ صادق لو تيقَّن، لقول الله جل ثناؤه وتباركت بقدسه أسماؤه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١١}[الشورى]، وأن الذي توهم لَتَمثيل هو التمثيل، فسبحان من لا تصل إليه الآلام(٣)، ولا يعرض له نوم ولا نسيان، ومن ليس كمثل ما خلق من الإنسان، ذلك الله رب الأرباب، ووليُّ مجازاة العدل في الثواب والعقاب.
  وأما قوله: فجعل الله السبيل سبيلين - فوا عجباً لمحال قوله في هذا التكثير والتفنين! وكيف ويله يكون سبيلان سبيلاً؟ ما أحسب كلامه بهذا ومثله إلا خبلا وتضليلاً، فسبيلٌ زعم للطاغوت وحزبه، وسبيلٌ تفرد الله زعم بنهجه،
(١) في نسخة: إذ.
(٢) في (أ): البيان.
(٣) في (أ): الأوهام.