[أقوال ابن المقفع والرد عليها]
  وحراس الخنادق والأسوار، والبشير والمنير، والإنسان القديم، وما ذكروا من الأراكنة(١) التي عليهم بها من الله ألعن اللعنة، وما قالوا من عمود الشبح التي بها وبقولهم فيها أقبح ما يستقبح، وأكذب أكاذيب الزور، وأعجب عجائب ما وصفوا من الظلمة والنور، فزعموا أن أسماءهم هذه التي افتروا وفننوا فيها بأعباثهم وكثروا هي رد الظلمة - زعموا - عن النور، أفلا ردت عن أنفسها ما هي فيه من الشرور؟!
  وزعموا أن هؤلاء لأجزاء النور مصطفون، وهم في أنفسهم بالظلمة مختلطون، فيا ويلهم ويا ويلاً من أقاويلهم قيلاً قيلاً في أبي عظمتهم، وأم حياتهم، وحبيب أنوارهم، وبشيرهم ومنيرهم، وعمود شبحهم وإنسانهم، وما يعبثون فيه من أراكنهم(٢)، فعظموا منها غير ما معنى، وسموها كذباً بالأسماء الحسنى، وهم يزعمون عنها ويلهم أنها مخالطة في حال للأقذار(٣)، ملتبسة فيما زعموا بالأشرار، تنكح في بعض الأحايين نكاحاً، وتؤكل في بعضها صراحاً، وتسقم تارة وتُحدَث، ثم تقيم في ذلك وتمكث، فيالعباد الله، إن هذا لهو العبث العابث، والمقال الفاسد العايث، الذي لم يقل بمثله سوى أهله قط قائل، ولم يسأل فيه بمثل عجز مسائل ابن المقفع سائل، ولقد ويله أكثر في المسألة - والمسألة لا تكثر - وطغى، حتى هممنا أن لا نجيبه لولا مخافة أن يكون على ذلك المَحْقِ(٤) مُتَّبَعاً، وذلك لجهله بما سقط إلينا من مسائله وخلَّط من قوله، ولكذبه أيضاً فيما ينحل وينتحل، وكثرة ما يختلف في كل مسألة وينتقل، وما أحسبه جالس قط متكلماً، ولا أحسن لمسائله تفهماً.
(١) الأركون بالضم: الدهقان العظيم.
(٢) في (أ): أركانهم.
(٣) في (أ): الأقذار.
(٤) المحق: النقص والمحو والإبطال. (نهاية).