[أقوال ابن المقفع والرد عليها]
  يدركه بشواهد العيان، فيزعم أن الرطب يبسٌ، وعشر العدد خمس، وإنما التبيان في الحقائق الموجودة ما يدرك منها بشواهدها المشهودة.
  وزعموا أن الشيء لا يكون منه أبداً إلا مثل جوهره مجتمعاً ومفرداً، وشأن النور العلو والارتفاع، وشأن الظلمة السفول والاتضاع. وكذلك شأن كل ضدين متى وجدا متضادين، متى علا هذا هوى ذا، فهو أبداً يهوي إذا ضده سما، ويسمو إذا ضده هوى، وفي فراق الشيء لشأنه حقيقة فنائه وبطلانه، كالنار التي من شأنها التسخين، واللين الذي لا يكون إلا وله تليين، فمتى بطل شأناهما بطلت لا بد عيناهما؛ لأنه لا حار إلا مسخِّن، ولا ليِّن أبداً إلا مُليِّن.
  وقد زعموا أن النور قد زال عن داره من العلى وصار إلى هذه الأرض السفلى، وفي ذلك من تغيره ما قد قيل من بطلان عينه. وكذلك الظلمة في بطلانها إذا صارت إلى خلاف شأنها، فصارت في منزلها سفلاً إلى ارتفاع ومعتلى، فهما في قولهم قد بطلا، وقد يوجدان بالعيان علواً وسفلاً، وهذا نفس متناقضِ المحال، وعين متدافع الأحوال؛ إذ في أن يبطلا فقدانهما، وفي أن يوجدا بطلانهما، فعدمهما وجود، وغيبتهما(١) شهود، فأيُّ عجبٍ أعجب ومتلعِّب ألعب ممن رضي بهذا قولاً، وكان بمثله معتلاً؟ وفي هذا من أمرهم وما أوجدنا فيه من ذكرهم كفايةٌ للناظر المبصر، بل قد يكتفي به غير المفكر، والحمد لله حمداً دائماً مقيماً، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً.
  فأما خرافات أحاديثهم وترَّهات أعابيثهم فهزل ليس فيه جد، ولا مما يجب له رد(٢)، {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ٧٩}[البقرة]. وبأي متلعب قاتلهم الله يتلعبون؟ ألم يروا أسماءهم التي يسمون وما منها لا غيره يعظمون، فمنها عندهم: أبو العظمة، وأم الحياة المتنسمة، وحبيب الأنوار،
(١) في (أ): وغيبهما.
(٢) في (أ): له به رد.