مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[أقوال ابن المقفع والرد عليها]

صفحة 463 - الجزء 1

  ولو كان عيسى صلى الله عليه كما قالوا ربا وإلها، وعن أنه لله عبدٌ أو صنعٌ⁣(⁣١) منزهاً - لكان لأمه من ذلك ما له، إذ كانت في الذات مثله، بل لكان ينبغي لمن ولده أن يكون أعلى من ذلك منزلة منه، إذ كان وجوده صلى الله عليه به وعنه.

  وليس أحد من النصارى يثبت لمريم ما يثبت لابنها من الإلهية، بل كلهم يقول: إنها أمة من إماء الله محدثة غير قديمة ولا أزلية، وقد يلزمهم صاغرين فيها من إضافة الإلهية إليها ما قال الله تبارك وتعالى فيها⁣(⁣٢)؛ إذ الحكم واقع بالاشتباه⁣(⁣٣) في الذات عليها⁣(⁣٤)، فهي في ذلك كله كولدها؛ إذ روحه من روحها وجسده من جسدها.

  فإن لم يكن ذلك فيها كذلك زالت البنوة عنه منها، وزال أن تكون له أما عنها، فلم تكن له أما ولم يكن لها ابنا؛ إذ لم تكن إلا موضعا له ومكانا، إلا أن يجعلوا الأماكن أمهات لما كان فيها فيقع ما قالوا من أنها أم له عليها.

  فأما إن جعلوها من طريق ما يعقل أما له فقد جعلوها في الطبيعة لا محالة مثله.

  وإذا كان ذلك فيهما كذلك جعلوه صاغرين كأمه إنسانا لا ربا ولا إلها، وكان الناس كلهم - إذ هو مثلهم في ذلك - له أمثالاً وأشبهاها، لا افتراق بينه وبينهم في الإنسية، ولا تفاوت بينه وبين جميعهم⁣(⁣٥) في الجنسية، ولذلك كان يطعم صلى الله عليه كما يطعمون، ويألم مما يؤلمهم كما يألمون، ويقيمه كما يقيمهم الشراب والطعام، ويعرض له الحزن والغموم والاهتمام.


(١) في المطوبع: أو صنع معظماً في ذاته منزهاً ... إلخ.

(٢) في (ب): فيهما.

(٣) في (أ): في الاشتباه.

(٤) في (ب): عليهما.

(٥) في (أ، ب): بينه وبينهم.