[بداية الرد عليهم]
  مع أن لما قالت النصارى من ذلك كله مخارج عندنا في التأويل صحيحة، لا يعمى عنها ولا عما بين الله منها إلا من لم يقبل فيها عن الله بيانا ولا نصيحة، ولكن النصارى تأولت تلك الكتب بآرائها، وعلى قدر موافقة أهوائها، فضلت في ذلك وما تأولت منه بعمى التأويل، وأضلت من اتبعها عليه عن سواء السبيل.
  فيقال إن شاء الله لهم فيما تأولوه من ذلك وادعوا، وافتروا في ذلك على كتب الأنبياء وابتدعوا، مما لم يسبقهم إليه أحد، ولم يقل به قبلهم مفتر ولا ملحد: إنا لم ندرك نحن ولا أنتم الأنبياء ولا المسيح بن مريم ﷺ، ولم ندرك نحن ولا أنتم أحداً من حواريه، فنسأل من أدركنا منهم عما اختلفنا نحن وأنتم فيه فتكتفوا بمن أدركتم من الأنبياء $ في التأويل، ونجتمع نحن وأنتم على الحق فيما اختلفنا من الأقاويل.
  فلا بد لنا ولكم من الإنصاف فيما وقع بيننا وبينكم من الاختلاف، فإن نحن تناصفنا ائتلفنا، وإن فارقنا التناصف اختلفنا، ثم لم نعد أبداً للائتلاف(١) إلا بعودة منا إلى الإنصاف. والتناصف هو الحكم العدل بعد الله بين المختلفين، والشفاء الشافي الذي لا شفاء أبداً في غيره للمتناصفين، فأنصفوا الحق من أنفسكم تخرجوا بإذن الله بإنصافكم من لبسكم، وارفضوا للحق أهواءكم تسعدوا في دينكم ودنياكم، وأقيموا ما أنزل إليكم من ربكم من التوراة والإنجيل، واتركوا الافتراء على الله فيها بعمي التأويل، تهتدوا إن شاء الله لقصد سبلكم، وتأكلوا كما قال الله: من فوقكم ومن تحت أرجلكم، وافهموا قول العزيز الوهاب فيكم وفي غيركم من أهل الكتاب: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ٦٦}[المائدة]، فكفى بهذا بياناً
(١) في (أ): إلى الائتلاف.