الرد على المجبرة
  وقال يخبر عن يونس #: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ٨٧}[الأنبياء]، والقدرية تزعم أن الظلم قضاء رب العالمين. وقال النبي ÷: {إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي}[سبأ: ٥٠]، فجعل ضلالته من قبل نفسه، وهداه من قبل ربه، موافقة لله، إذ يقول سبحانه: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ١٢}[الليل]، وقال: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ٣}[الأعلى]، وقال: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}[النساء: ١٧٦]، أي: لئلا تضلوا. وقال: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}[فصلت: ١٧]، فكل ما كان من هدى فقد أضافه إلى نفسه، وكل ما كان من ضلال فقد أضافه إلى خلقه، والله أولى بما أضاف إلى نفسه، والعباد أولى بما أضاف إليهم، وكانوا هم المعتدين الظالمين الجائرين المخالفين لقضائه وقدره تبارك وتعالى.
  فأقرَّت الأنبياء À بالإساءة والتقصير فيما أغفلت وقصرَّت، وأضافت ذلك إلى أنفسها وإلى الشيطان؛ معرفة منهم بالله أنهم لم يؤتوا في ذلك من ربهم. وخالفت القدرية والمجبرة كتاب الله ووافقت الشيطان؛ قلة معرفة منهم بعدل الله في خلقه ورحمته لهم وانتفائه من ظلمهم، في قول الله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ٤٠}[النساء].
  فقد ذكرنا جملة مما احتج الله به على القدرية الكاذبة على الله في كتابه، وعلى النبيين.
  وكيف يتوهم عاقل أو ينطوي قلب مؤمن أنه مصيب مع خلافه لقول الله وقول أنبيائه؟! إن من ظن ذلك فقد جهل جهلاً مبيناً، وضل ضلالاً بعيدا.
  فزعموا من بعد ما حصرنا مما ذكرنا، وما لم نذكر من حجج الله عليهم وما قد رد الله من مقالتهم وأكذبهم ما لا يحصى، فزعموا أن الله خلق الخلق صنفين وجعلهم جزأين، فجعل صنفاً يعبدونه وصنفاً يعبدون الشيطان، وجعل من