الرد على المجبرة
  من مضى من أسلافكم، وقص عليكم قصة من كان قبلكم من المؤمنين والصالحين، ومن أوليائه المرسلين، وما أمركم من الاقتداء بهم، ورغبكم في مرافقتهم، وقد خبَّركم ما قد أصبح بمن خالفهم وسلك عكس طريقهم من قوم لوط، وأصحاب فرعون، فأخذهم الله بذنوبهم، فقال: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ}[العنكبوت: ٤٠]، وقال سبحانه لنبيه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}[الأنعام: ٩٠]، وقال: {فَبَشِّرْ عِبَادِ ١٧ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ١٨}[الزمر].
  ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ٢٥}[محمد].
  فهذا ما أخبر الله عز ذكره عن جميع عباده، كيف ضل من ضل منهم واهتدى من اهتدى منهم، ومن بعد ما قد حكى الله عن أنبيائه À وعلى آدم وحواء، قال الله: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ١٢١}[طه]، ثم قال: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ٢٢}[الأعراف]، فاعترفا بذنبهما، فقالا مقرين تائبين عن معصيتهما: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٢٣}[الأعراف]، ولم يقولا: معصيتنا من الرحمن وإرادته.
  والقدرية المجبرة تقول: معصيتنا بقضاء الله وإرادته، خلافاً على أبي البشر آدم #.
  وقال الله ø يخبر عن موسى صلى الله عليه: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}[القصص: ١٥]، ولم يقل: هذا من الله ومشيئته. وقال يعقوب #: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ}[يوسف: ١٨]، والقدرية تقول: إن الله سوَّل لهم ذلك. وقال يوسف صلى الله عليه: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}[يوسف: ١٠٠]، فيوسف صلى الله عليه يضيف ذلك إلى الشيطان والمجبرة القدرية تضيف ذلك إلى الرحمن؛ خلافاً على الله جل ثناؤه.