مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

جواب مسألة لرجلين من أهل طبرستان

صفحة 557 - الجزء 1

  الأشياء يبقى فلا يفنى، ولا يصح له أبداً هذا الذكر والمعنى، إلا الله وحده ذو البقاء والدوام، كما قال سبحانه: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ٢٦ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ٢٧}⁣[الرحمن]، و {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٨٨}⁣[القصص]، ولكفى دليلاً ببقائه وفناء كل ما سواه على تعاليه عن مشابهة الأشياء لقوم يعقلون.

  وكيف يشبه الباقي الفاني في معنى ما كان من المعاني؟

  فمن توهم الله جل ثناؤه أجزاء أو أعضاء، أو أبعاضاً يصل بعضها بعضاً، أو اعتقد أنه يُرى، أو رُؤِي قط فيما خلاء بعين أو بصر أو رؤية أو نظر، أو أنه يدرك بحاسة من حواس البشر، أو وصفه سبحانه بكفٍّ أو بنان، أو بفم أو لهوات أو لسان فقد شبهه بما خلقه جل ثناؤه من الإنسان، وبَرِئ واصفُه بذلك من المعرفة له والإيقان، وقال في الله من ذلك بالزور والبهتان، وخالف كل ما نزل الله في ذلك من النور والفرقان، فهو لرب العالمين من أجهل الجاهلين، وهو بالله جل ثناؤه من المشركين، وبما اعتقد في ذلك من أهلك الهالكين، فهذه صفته تبارك وتعالى في الإنِّية والذات، وهي صفة واحدة ليست فيه جل ثناؤه بمختلفة ولا ذات أشتات، ولو كانت فيه مختلفة غير واحدة لكان اثنين وأكثر في الذِّكر والعدة، وإنما صفته سبحانه هو، وأنه كذلك في التوراة، قال تعالى لموسى صلى الله عليه عند المناجاة: (يا موسى إني أنا الله إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب).

  وكذلك قال لرسوله ÷: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ٢٢ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ٢٣ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ٢٤}⁣[الحشر]، فوصف نفسه تبارك وتعالى في أول الآيات بأنه هو، ثم ذكر سبحانه من ملكه وخلقه وقدسه ما ليس له فيه نظير ولا