مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

جواب مسألة لرجلين من أهل طبرستان

صفحة 560 - الجزء 1

  صنعاً، مفتطراً بدعاً، كنت بإنكار ذلك لله منكراً، وإن كنت بالله عند نفسك مقراً؟

  فكان في هذا الجواب بحمد الله ما حجَّه وقطعه، وكفاه في الاحتجاج عليه، وكفَّه عن التشنيع ومنعه، ولم يتكلم بعده - علمتُ - في مسألته بكملة واحدة، وأمسك في مسألته عن الإكثار والشَّغْب⁣(⁣١) والملادَّة.

  ومن الدلائل على ما ذكرنا وقلنا به في ذلك وفسَّرنا قولُ الله سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا ١٠١ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ١٠٢}⁣[الإسراء]، يقول صلى الله عليه: لقد علمت ما افتطر وجعل وخلق وأنزل ما جئتك به من الآيات والدلالات إلا مَن خلق وجعل وافتطر الأرضين والسماوات، فلما أزال فرعون صنعهن وخلقهن عن الله، ونسبهن إلى السحر ازداد بذلك شركاً وكفراً إلى ما كان فيه من الشرك والكفر، وكذلك لو لم ينكر إلا آية واحدة مما بُصِّرَ وأُرِي من آيات الله لكان بإنكارها مشركاً صاغراً راغماً، ليس له بالله معرفة ولا إيقان، ولا بعد إنكاره لها توحيد ولا إيمان.

  ومن توحيد الله ومعرفته وما هو أهله من حكمته أن تعلم أنه لم يكلف ولا يكلف أبداً من عبيده ما لا يتسع له ولا يمكنه، ولا يأمره بما لا يستحسنه، ولا يريد أبداً منه ما ينهاه تعالى عنه، ولا يزجره أبداً فينهاه عما يريده من الأمور ويشاؤه؛ لما في ذلك كله من خلاف الحكمة والرحمة، وما لا يجوز أبداً أن يوصف به من الصفات المستقبحة المذمَّمة، التي لا يلحق بالله جل ثناؤه منها صفة، ولا تحتملها من المعارف بالله سبحانه معرفة؛ لما يزول بها من الأسماء الحسنى، والأمثال الكريمة العلى، ولله جل ذكره من ذلك كله ما طاب وزكى، ومن قال في الله بخلاف ذلك فقد قال


(١) الشغب بالتسكين: تهييج الشر، ولا يقال: شَغَب بالتحريك.