كتاب مديح القرآن الكبير
  لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ٥٣}[الشورى]، فجعله روحاً مُحيِياً لمن قَبِلَه، ونوراً مضيئاً لمن تأمَله، فنحمد الله على ما جعل فيه لأهله من الحياة، ووهب لهم به من الفوز والنجاة.
  وقد ظن من ليس بِبَرٍّ ولا تقي، من كلِّ ضلِّيلٍ تائهٍ شقي، بجهله وضلاله واحتياره، وقلَّة علمه بكتاب الله وأسراره، وعندما اقتصر عليه من نظره ونقصِ فكره وتحيُّره، ولتركه علم ما خفي عليه من آياته عند ما جعله الله معدناً لعلم خفياته، ممن انتجب واصطفى، وجعل له المنزلة عنده والزلفى - أن في كتاب الله تناقضاً واختلافاً، وأنه إنما اعتسف القول فيه اعتسافاً، فقاده جهله بالكتاب إلى جهل رب الأرباب؛ لأن من جهل صنع الله للكتاب في آية واحدة من آياته كمن جهل صنع الله في أرضه وسماواته، لا فرق بين ذلك في حكمة ولا حكم، وواحدٌ ذلك كله في الخطيئة والجُرم. فمن جهل أن كل ما سمع من آية من آيات الكتاب فوحي الله وتنزيله، وأن كل آية منه فلا يحتملها ولا يحكمها إلا حكمة الله وتفصيله - فهو بكتاب الله من الجاهلين، وعن حكمة الله فيه من الضالين(١)، بل هو بالله في جهله ذلك إن جهله من الكافرين، ولأكبر(٢) نعم الله عليه فمن غير الشاكرين، والحمد لله فيه لا شريك له رب العالمين، ونعوذ بالله في كتابه من عمايةِ العمين، ونسأله أن يجعلنا لهداه فيه من المتبعين، وبما نزل فيه من حكمته ورحمته من المنتفعين.
(١) في (ج): وعن حكمه فيه من الضالين.
(٢) في (ج): ولأكثر.