كتاب مديح القرآن الكبير
  فيه(١) برحمته أولياءه، بمشكاة(٢) قد ملئت نوراً بمصباح في زجاجة نقية ككوكب دريٍّ، ومثَّلَ كتابه بما فيه من هداه بنور مصباحٍ زاهرٍ مضيٍّ، قد نقيا من كل ظلمة وغلس، وصفيا من كل كدرٍ ونجس، فأعلمنا سبحانه بأنه هو نور السماوات والأرض ومن فيهما؛ إذ هو الهادي لكلِّ من اهتدى من أهليهما.
  وقد قيل في التفسير: إن المشكاة هي الكوة التي تجمع ما فيها كما يجمع ما فيه السقاء والشكوة(٣)، فنور هدى كتاب الله محفوظ بالله مجتمع، وكل من وفقه الله لرشده فهو لأمر الله كله فيه متبع، لا يسوغ لأحدٍ عند الله من خلافه سائغ، ولا يزيغ عن حكم من أحكام الله فيه إلا زائغ، يُزِيْغُ اللهُ قلبَه بزيغه عنه، ويفارق من الهدى بقدر ما فارق منه، كما قال علام الغيوب، وخلَّاق ما ضل واهتدى من القلوب: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ٥}[الصف].
  وفيما جعل الله في كتابه من الحكم والفرقان والفصل ما يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ١٣ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ١٤}[الطارق]، والفصل فهو الحكم الجد الرشيد، والهزل فهو اللعب والكذب والتفنيد، وفي ذلك ومثله وما نزل الله فيه من فصله ما يقول سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ١}[الفرقان].
(١) «فيه» ساقطة من (أ).
(٢) في (أ، ج): مشكاة.
(٣) الشكوة: وعاء من أدم للماء واللبن. (قاموس).