السند إلى مؤلفات الإمام القاسم بن إبراهيم #
  الماء إذا عدم عدموا، وذلك قوله سبحانه: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ٥ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ٦ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ٧}[الطارق]. وقوله: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا}[الفرقان: ٥٤].
  وما جعل الله سبحانه في الأرض من رواسي الجبال وغيرها مما ثقلها به من الأثقال، كيلا تميد بمن عليها من الإنسان وغيره من أنواع الحيوان، التي لا بقاء لها ولا قوام مع المَيَدَان - فموجود بأيقن الإيقان؛ إذ توجد(١) بالعيان الأفلاك تمر من تحت الأرض دائرة، وتخفى بممرها تحتها وتظهر عليها سائرة، ولا يمكن أن يكون مسيرها تحتها ومقبلها ومدبرها إلا في خلاء أو عراء أو هواء أو ماء، وأي ذلك ما كان مسيرها فيه احتاج من على الأرض من ساكنها إلى ما جعلهم محتاجين إليه، من تثقيل قرارهم بما ثقله الله من رواسي الجبال وغيرها مما ثقلها به سبحانه مما عليها من الأثقال، لكيما تكون كما قال الله: قرارا، ولما جعله الله خلالها أنهارا، ولو لم تكن سكناً قاراً لما احتملت من أنهارها نهرا، ولو مادت لاضطربت غير مستقرة ولا هادية، ولو لم تستقر وتهدأ لكانت أنهارها متفجرة غير جارية، لا ينفع ما جعل الله حاجزاً وبرزخا، وحبساً ثابتاً مرسخاً، بين مُنْسَحِّ(٢) عذب مياهها وملحه، ومُفْسَد أمورها ومُصْلَحِه، فاختلط فراتها بأجاجها، وبطل ما جعل فيها من سبل منهاجها، حتى لا يكون لفلك فيها سبيل مسير، ولا لطامي جم مياهها صوت خرير، ولو كان ذلك فيها كذلك لكان فيها من فساد التدبير وجفاء الفعل في حسن التقدير ما لا يجهل ولا يخفى، لكنه تبارك وتعالى ألطف في التدبير لطفا، وأعلم بالأمور كلها علما، من أن يدبر إلا محكما، ألم تسمع لقوله سبحانه: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ٦١}[النمل].
(١) في نسخة: تجد.
(٢) في (أ): من منسح.