[ذكر بعض أنواع النسخ وبيان حسن ذلك]
  ومن لم يكن بالحكمة مقراً معترفاً لم يكن إلا عمياً معتسفاً، ومن كان معتسفاً عمياً لم يكن في حقائق الأمور مهتدياً، ومن عمي وفارق الهدى كان للبهائم مثلاً ونداً، كما قال الله سبحانه: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ٤٤}[الفرقان]، وصدق الله لا شريك له فيما قال به فيهم تشبيهاً وتمثيلاً، لهم أضل من البهائم ضلالاً، وأقل في الهدى دركاً ومنالاً(١)؛ لأن الأنعام وإن ضلت عن الهدى في الدين، ولم تدرك شيئاً إلا بحاسة من عين أو غير عين - فهي مدركة لما ينفعها ويضرها من المرعى، وليس كذلك الضالون من أهل العمى؛ لأن من عمي في الدين كان أخذه لما يضره فيه أكثر من أخذه لما ينفعه، وكان ما رآه منه وسمعه كما لم(٢) يره ولم يسمعه، كما قال الله سبحانه لرسوله ÷: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ١٩٨}[الأعراف]، فكفى بهذا فيهم دليلاً على(٣) ما مثلهم به سبحانه لقوم يفقهون.
  ألا(٤) ترون أن البهيمة تجانب ضرها في معاشها وتأخذ نفعها، وتحسن لصالح مرتعها من المراتع الصالحة تتبعها، فمن ضل في الدين فهو أعظم ضلالاً منها، وهو فمقصر صاغر(٥) في العلم عنها، فكتاب الله بريء كله من الوَهَن والتداحض، نقيٌ في الألباب من كل اختلاف وتناقض، واضح عند أهله مضيء
(١) في (ب): ومثالاً.
(٢) في (أ): كمن لم.
(٣) «على» ساقطة من (أ).
(٤) في (أ): أولا.
(٥) في (أ): صاغراً.