[متشابه القرآن وما يظن متشابها وهو محكم]
  ودل عليه أسفر له وأنار، ووضح له وبان.
  ومن ذلك ما ذكر عن الكلبي عن أبي صالح عن عمر بن الخطاب أنه قال لابن عباس يوماً من الأيام: (يا أبا العباس، ضربتني البارحة أمواج القرآن في آيتين قرأتهما لم أعرف ما تأويلهما؟
  فقال ابن عباس ®: ما هما يا أمير المؤمنين؟
  قال: قوله: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}[الأنبياء: ٨٧]، فقلت: سبحان الله! أيظن نبي من أنبياء الله أن الله لا يقدر عليه، وأنه يفوته إن أراده، [ما ظَنَّ هذا مؤمن؟!](١).
  وقوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا}[يوسف: ١١٠]، فقلت: سبحان الله كيف هذا؟ أيئسَ الرسل من نصر الله، أو تظن أن قد كذب وعد الله، إن لهاتين الآيتين خبراً من التأويل(٢) ما فهمته؟!
  فقال ابن عباس: أما ظن يونس فإنه ظن أن لن تبلغ به خطيئته أن يُقَدِّر الله بها عليه العذاب، ولم يشك أن الله إن أراده قدر عليه، فهذا قوله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}، وأما قوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ} فهو استيئاسهم من إيمان قومهم، وظنهم فهو: ظنهم لمن أعطاهم الرضا في العلانية أنه قد كذَّبهم في السر، وذلك(٣) لطول البلاء عليهم، ولم تستيئس الرسل من نصر الله، ولم يظنوا أن الله
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٢) في (أ): لخبراً كامن التأويل.
(٣) «وذلك» ساقط من (أ).