مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[متشابه القرآن وما يظن متشابها وهو محكم]

صفحة 59 - الجزء 2

  ودل عليه أسفر له وأنار، ووضح له وبان.

  ومن ذلك ما ذكر عن الكلبي عن أبي صالح عن عمر بن الخطاب أنه قال لابن عباس يوماً من الأيام: (يا أبا العباس، ضربتني البارحة أمواج القرآن في آيتين قرأتهما لم أعرف ما تأويلهما؟

  فقال ابن عباس ®: ما هما يا أمير المؤمنين؟

  قال: قوله: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}⁣[الأنبياء: ٨٧]، فقلت: سبحان الله! أيظن نبي من أنبياء الله أن الله لا يقدر عليه، وأنه يفوته إن أراده، [ما ظَنَّ هذا مؤمن؟!]⁣(⁣١).

  وقوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا}⁣[يوسف: ١١٠]، فقلت: سبحان الله كيف هذا؟ أيئسَ الرسل من نصر الله، أو تظن أن قد كذب وعد الله، إن لهاتين الآيتين خبراً من التأويل⁣(⁣٢) ما فهمته؟!

  فقال ابن عباس: أما ظن يونس فإنه ظن أن لن تبلغ به خطيئته أن يُقَدِّر الله بها عليه العذاب، ولم يشك أن الله إن أراده قدر عليه، فهذا قوله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}، وأما قوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ} فهو استيئاسهم من إيمان قومهم، وظنهم فهو: ظنهم لمن أعطاهم الرضا في العلانية أنه قد كذَّبهم في السر، وذلك⁣(⁣٣) لطول البلاء عليهم، ولم تستيئس الرسل من نصر الله، ولم يظنوا أن الله


(١) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).

(٢) في (أ): لخبراً كامن التأويل.

(٣) «وذلك» ساقط من (أ).