تفسير القارعة
  قليله كثيراً، وصغيره كبيراً؛ لتحلله وتمزقه، وتزايله وتفرقه، كذلك تبلى الجبال إذا بليت، وتفنى يوم القيامة إذا فَنِيَت، فتكون كالسراب الرقراق، في الفناء والتهيء والامتحاق، وفي جزاء الأعمال بعد تلك الأهوال يقول الله سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ٦}، تأويلها: من ثقل في الوزن بره وإحسانه فيسعد بثقله وثقل بعمله.
  وتأويل {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ٧} فهو: في عيشة مرضية زاكية، وإنما يعرف أمر الخفة يومئذٍ واليوم والثقل بما يعرف منها اليوم في الحال والقدر والعمل، وليس نعلم الخفة والثقل يومئذٍ في المقادير والأوزان بمثاقيل يوزن بها من خف وثقل وجِربان(١)، ولكنه يعرف - واللهُ محمودٌ - بما ذكرنا من العبرة والبيان، وما تعرفه العرب العاربة في اللغة واللسان.
  {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ٨} فتأويله: من خف به فسقه وعدوانه.
  {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ٩} تأويل «أمّه»: فهو من مصيره ومهواه وما أمه، ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ١٠ نَارٌ حَامِيَةٌ ١١}، فكانت النار(٢) التي صار إليها أمه التي نسبه الله إليها؛ إذ كانت له مقراً ومأوى، وقَرَّ بِهِ فيها المصيرُ والمثوى. والنار الحامية: فهي التي لا يطفيها مطفية ما كانت باقية أبداً، والتي من دخلها كان فيها مخلداً.
(١) الجربان: جمع جريب، والجريب مكيال قدر أربعة أقفزة. (قاموس معنى).
(٢) في المطبوع والمصابيح: النار الحامية.