تفسير القارعة
  لأنه كثير ضعيف، وطير محتقر خفيف، فتقول إذا استكثرت شيئاً أو استضعفته، واستقلت وزنه فاستخفته: ما هذا إلا كالفراش في الخفة والقلة، وللقوم إذا استكثروهم: كالفراش في الكثرة والجمَّة.
  وانبثاثه: فهو انبعاثه متحيراً وطائراً في كل وجهة من الجهات، يموج ويصدم بعضه بعضاً في تلك الوجوه المختلفات، فمثَّل الله سبحانه الناس في يوم البعث بما وصفنا من الفراش المنبث الذي يموج بعضه في بعض، ويسقط تهافتاً على الأرض، لما ذكرنا من كثرته، وموجه وحيرته، واختلاف جهاته، ويومئذٍ يدعوهم من تلك النواحي المختلفات الداع، فيستجيبون لدعوته كلهم جميعاً باستماع، كما قال سبحانه: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ}[طه: ١٠٨]، تأويلها: لا اختلاف لهم بعدُ معه كما كانوا يختلفون في المذاهب قبل دعائه، وما سمعوا وهم في حيرتهم من ندائه، كما قال سبحانه: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ٤١}[ق]، وهو يوم الإصاخة بالأسماع؛ لتسمع صوت المنادي الداعي.
  وفيما ذكرنا من هذه الإصاخة ما قيل في يوم الصاخة: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ٣٣ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ٣٤ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ٣٥ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ٣٦ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ٣٧}[عبس].
  وتأويل {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ٥}، فالعهن: هو الصوف الناعم اللين الذي ليس يُقرد، وذلك من الصوف فما يلين للنفش في اليد، وينتفش ويتجافى، ويعود خفيفاً أجوفاً، وقد تفرقت أجزاؤه وبان جفاؤه، فعاد