تفسير سورة القدر
  سبحانه بعد ذكره لشهرها وما جعل الله فيها من بركتها ويمنها: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ٣ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ٤ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ٥ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ٦}[الدخان]، فهي ليلة بركة ورحمة، وسلامة وعصمة، وفيها ما يقول أرحم الراحمين، ورب السماوات والأرضين: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ٥}.
  وتأويل {سَلَامٌ} فهي: سلامة هي حتى طلوع الفجر، فليلة القدر ليلة سالمة مسلمة، ليس فيها عذاب من الله تبارك وتعالى ولا نقمة، جعلها الله بفضله بركة وسلامة، ورحمة للعباد إلى الفجر دائمة، ولحقِّ الليلة نزَّل الله فيها وحيه وقرآنه، وفرَّق برحمته فيها فضله وفرقانه، بالبركة والتفضيل، والإعظام والتجليل.
  وتأويل {وَمَا أَدْرَاكَ}، فهو: ما يدريك لولا ما نزلنا من البيان فيها عليك، {مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ٢} في القدر والكبر، وما يضاعف فيها لعامله من البر والأجر، فهي ليلة {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ٣} جعلت لبركتها ويمنها في التضعيف لها والأضعاف كعشرة آلاف ليلة وعشرة آلاف ليلة وعشرة آلاف ليلة، فذلك ثلاثون ألف ليلة، ونحوها تامة، جعلت مقداراً مضاعفاً لليلة القدر؛ تشريفاً لها وكرامة، وهي ليلة مقدسة يضاعف فيها كل بر وعمل صالح لمن عمل به فيها من أهلها، فيزاد على تضعيفه من قبل ثلاثين ألف ضعف لقدرها وفضلها، ونحمد الله في ذلك وغيره رب العالمين، على ما أنعم به من ذلك الله خير المنعمين.