مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

كتاب المكنون

صفحة 136 - الجزء 2

  

  أستعصمُ الله بعصمته التي لا تُهتك، وأسترشده إلى السبيل التي ينجو بها من الردى مَن هلك، وأستوهبه التوفيق لهدايته، والحظ الوافر من طاعته، وأرغب إليه في إلهام حكمته واجتناب معصيته.

  إن الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لا كفؤ له موجود، ولا والد ولا مولود، تعالى من أن يتخَوَّنه أبد، أو يقع عليه عدد، فطر الأرض والسماء، وابتدع الأشياء، وأنشأ المخلوقين إنشاءً، بلا معين يشاركه في التدبير، ولا ظهير يؤازره على ما أبرم من الأمور، ولم يمسسه في ذلك كلال، ولم يتخرمه نصبٌ ولا زوال، ولم تتَوَهَّقه⁣(⁣١) عن محكم الصنعة العوائق، ولم يشتبه عليه ما أتقنه علمه السابق، بل نفذ بمشيئته ما أبرم، ومضى في خليقته ما علم، بلا اختلاج اشتبهت عليه فيه الآراء، ولا توَهُّم تفاوتت عليه فيه الأشياء، فتعالى عما يقول الظالمون، وعز وتقدس مما يتفوَّه به العادلون، جعل الأنام شعوباً وقبائل متعارفين، وفيما تنازعهم إليه الأنفس غير مؤتلفين، مختلفة هممهم، لا يشتبه تصرفهم، وكل يعمل على شاكلته، ويسلك سبيل طبقته.

  والعقول حظوظ متقسمة، والأخلاف غرائز مستحكمة، فالحازم مغتبط بما أُلِهم، جَذِلٌ بما قُسِم، والمفرِّط متأسٍّ على ما حُرِم، يقرع سنَّه من الندم، فإن قهر نفسه على تَعَوُّضِ ما فرط أورده صغرُ الهمم في أعظم الورط، وإن تمادى في التقصير دحض دحضة الحسير.


(١) وهقه عنه كوعده: حبسه. (قاموس).