كتاب المكنون
  لدفع ما ألظَّ(١) به من محاورة الأوداد بالملاينة وترك البعاد، وإخماد ما يتشبب بالأحقاد، ويتلطف للمسألة والراحة وما فيه عائدة المصلحة، حتى يعود إلى ما تعوَّدَ من السرور في قديم العهد، ويُبعِد عنه خواطر البال أشد البعد، ويَدفع عنه طَول الحمية وبُعد أهل الجاهلية، فإن الضمائر المذمومة أشر ذخيرة ادَّخرها أهل المكرمة والبصيرة، وليس تنجع المواعظ إلا في ذوي العقول وأهل الرأي الأصيل.
  يا بني، فأما ذوو الأذهان المستلَبة، الممنوعون حسن النظر في العاقبة، فغير سادِّين ببصيرة ولا فكرة في أمر دنيا ولا آخرة.
  فصاحِبِ الناسَ بحسن المعاشرة، وألبس كلاً بالمساترة، ولا تَثِقَنَّ بكل أحد فتعجز، وكن هيناً ليناً كثيرَ التحرز.
  وآخِ من آخيت بالستر لعورته، والإقالة لعثرته، ولا تُطِل معاتبته إذا هفا، ولا جفوته إذا جفا، ولا تأخذه بالغاية القصوى، فإن زل فأَقِلْ، وإن قصَّر فاحتمل. وإن كملت عندك بصدق المعرفة خلالُك، وتيقنت أنك لا تجد كفؤاً لك في مثل أخلاقك - فلا تمحض مودتك لمن يكون بمعزِل عما ليست عنه فيه بذاهل، واطَّرِح عنك ثقل مؤنته، وادرج له في مثل مودته، فإن للناس مذاهب مختلفة، وأخلاقاً غير مؤتلفة.
  يا بني، فإن الكامل في جميع الحالات، المعدود في أهل المروءات، لا يكلف الأخلاء ما يُعدَم في الطبع الذي رُكِّبت عليه الأجسام، ولا يُحَمِّلهم ما تقصر عن
(١) ألظ به: لزمه. (مختار).