مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

كتاب المكنون

صفحة 150 - الجزء 2

  يؤتى إليه مثله - سكن غليله، وصفت له عيشته، وطالت سلوته، وكثرت راحته، ورسخت في القلوب محبته، ونقيت من صدره ضغينته، وأشرقت بالفضل صفحته، وعادت له من صنوه مودته، وتأكدت في رقبته منته. ولعله إن طال تمعزه⁣(⁣١)، أن يَكْثُر عما يروم به عجزُه، فيريه الغيظ والحَرَد، ويغلغله الحزن والكمد.

  تم نصف كتاب المكنون والحمد لله رب العالمين

  ألا وإن أحمد الناس مذاهب، وأكملهم ضرائب، وأحسنهم فعلاً، وأرسخهم في اللب أصلاً - من تجافى عن هفوات إخوانه، ووادع أيام زمانه، وصحب بالمسألة خدينه، وبالمناصفة قرينه، ورضي من دهره بالموجود في غيره، وسَايَر الناس كُلًّا على ما طبع عليه في عصره، فإن أعظم النوائب وأفدح النواكب أن تسكن قلبَك البغضةُ لمن كنت له وامقاً، وتقل ثقتك بمن كنت به واثقاً، وتستوحش ممن كان لك نصيحاً، وكنت إليه حين تحزبك الأمور مستريحاً.

  واعلم يا بني أن الحقد والحسد والغضب إذا اعتلجت في قلبٍ أوقدته، وأعمدته وأقلقته، فربما تهيَّجَ من ذلك الداء المستكن فاستوحش له البدن، وأظهر من غوامض الأوجاع ما بطن، فتغيرت لذلك الطبيعة، واستُدعِيت القطيعة.

  فالواجب على الأريب العاقل أن يسلو فيما نزل به سلوَّ الذاهل، وأن يتسبب


(١) تمعز الوجه: تقبّض. (قاموس).