مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

سياسة النفس

صفحة 176 - الجزء 2

  يومٌ خافته رجال فمدحهم الله وزكاهم، وأحسن على مخافتهم له ثوابهم وجزاهم، فقال سبحانه فيهم وفي حسن ثنائه - بمخافتهم له - عليهم: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ٣٧ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ٣٨}⁣[النور]، وقال سبحانه: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ١٥٨}⁣[الأنعام]، وقال سبحانه: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ٨٨ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ٨٩ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ٩٠ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ٩١}⁣[الشعراء]، {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ٦}⁣[المطففين]، {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ ١٠٦}⁣[الأنبياء].

  فرحم الله امرأ أحسن لنفسه نظراً فرفع عن الوناء ذيله، واغتنم من الله سبحانه تمهيله، فحسر عن ذراع، وشمر بإجماع، وانتبه عن وسن غفلة الغافلين وإن لم يشعروا، وتيقظ من نوم جهل الجاهلين وإن لم يسهروا، فعلم أن من رحمة الله بنا وحسن معونته لنا على أنفسنا أن جعلنا نسقم ونتغير ونبتلى بمثل ما يرى من تغير أحوال الدنيا في فناء ليلها ونهارها، وما يغتذى به في برها وبحارها من كل مأكول، أو لباس نسج معمول، أو غير ذلك من ألوان فنونها، وما سخره الله من ضروب ماعونها، فنبهنا بذلك كله، وبما أرانا من تغيره وتبدله على قصر مدة آجالنا، وعلى أنه لا بقاء ولا دوام لنا، ولو جعلنا ندوم أبداً أو نبقى لما جعل بين الدنيا والآخرة فرقاً، ولكان من عتا الخليق ببقائه بادعاء أخبث الدعوى، ولما امتنع من العاتين ممتنع من شهوة ولا هوى.