مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

سياسة النفس

صفحة 177 - الجزء 2

  ولكنه سبحانه عرفنا أنفسنا وفناها، وألهم كل نفس منها فجورها وتقواها، فجعل فجورها غياً وتقواها هدى، وجعلنا تبارك وتعالى نموت ونفنى، لنستدل بالموت وتصاريف طباع الخلق على حكمة تدبيره لنا في الفطرة والصنع، وليدعونا خوف الفناء إلى طلب حياة البقاء، وخلقنا تبارك وتعالى من جزأين اثنين نفس وجسد، ثم ألف بينهما بلطيف تدبيره، وأحكم تركيبهما بأحسن تصويره، فجعلهما بعد تباينهما شخصاً واحداً مكملاً، وجعل لبقائه ومدة حياته مدة وأجلاً، ثم أمره بعد كموله فيه برشده وحضه عليه.

  فإن نفسه سمعت له وأطاعت، وأجابت إلى ما دعيت إليه فسارعت - رشد عند الله واهتدى، وفاز من الله بثوابه غداً. وإن نفسه عصته والتوت عليه، وأبت ما دعي إليه من الرشد فغوت، ولم تعتصم بالله، ولم تُذَكِّره رحمة من الله - ضل عند الله فعطب، وهلك في القيامة وعذب، فنفس المرء إذا لم ترشد له فشر صاحب، ودعَّاءة له إلى كل هلكة ومعائب، لأنها لولا عصمة الله لها في خطاياها أبداً كرارة، وبالسوء لصاحبها إلا ما رحم⁣(⁣١) الله أمارة، كما قال يوسف صلى الله عليه: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ٥٣}⁣[يوسف]، وكما قال شعيب صلى الله عليه في توفيق الله ومعونته له على عبادته، وحسن نظره وعصمته، لما كان عليه من رعاية حق الله وأمره من إرادته: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ٨٨}⁣[هود].


(١) في (ب): إلى ما حرم الله.