[الدلائل على أن الله تعالى لا يشبه الأشياء]
  تجري مدد الدهور والأزمان عليه، لأنه إن افترق فيه القبل والبعد زال من صفة الأحد والصمد؛ إذ هما فيه اضطرارا مفترقان، فهما عليه بالمقارنة لا شك متداولان، لا خلوة له من أحدهما، يجري عليه من المقارنة ما يجري عليهما من حدهما، ويزول عنه من الوحدانية ما زال عنهما، ولا يتوهم أبداً خاليا منهما.
  وكذلك ما جرت عليه مدد الأزمان والدهور غيرته تغييرها لغيره من الأمور، كما قال الله سبحانه: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ٣}[الحديد]، فأوليته سبحانه آخريته، وباطنيته ظاهريته، لا يختلف من ذلك ما وصف به كما لا يختلف سبحانه في نفسه.
  وكذلك أسماؤه كلها الحسنى، وأمثاله كلها العلى، فأسماؤه لا تتناهى، مرسلة مطلقة، مجتمعة كلها فيه سبحانه لا مفترقة، ليس لاسم منها حد محظور، ولا لمثل منها حصار محصور، فيكون الحد حينئذ للمحدود ثانيا، وما حُظِر(١) بالحد من المحدود متناهيا، ولكنه كما قال سبحانه: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ٦٥}[مريم]، ولا لن يوجد له سمي؛ إذ لا تجد الألباب له كفيا، وكما قال تبارك وتعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى}[الروم: ٢٧]، وكذلك هو سبحانه؛ إذ لا تجد له الألباب مثلا، وما قلنا به في هذا من دلالة التفاضل فموجود والحمد لله لا ينكره عقل عاقل، ومضطرة الألباب إلى علمه لا يدفعه إلا متجاهل، مع ما لا نأتي عليه وإن بلغ تعديدنا، ولا نستقصيه وإن جهد تحديدنا، من لطيف شواهد معرفة الله سبحانه وجلائلها، وما جعل الله من شواهد المعرفة به ودلائلها.
  وكفى بما ذكرنا لمعرفة الله ø علما منيفاً شامخاً، وعلما بالله يقينا في النفوس ثابتا راسخا، لا يدفعه إلا بمكابرة للعقول ملحد، ولا يصدف عن الإقرار به إلا معاند ملد(٢)، والحمد لله الذي لا يهتدي للخير أبداً إلا من هداه،
(١) في (ب): حصر بالحد.
(٢) ملد: شديد الخصومة. (إكمال الإعلام بتثليث الكلام).