[الدلائل على أن الله تعالى لا يشبه الأشياء]
  ولا يصيب الرشد إلا من آتاه إياه، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ٥١}[الأنبياء]. وقال: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ٧٥}[الأنعام].
  فقلبُ الإيمان من كل عصيان اليقينُ بالله وبعلمه، وإبراء الضمائر من توهمه، فإنه لا تجول أوهام المتوهم إلا في كل ذي صورة وتجسم، ومن توهم الله جسما فلم يصب بالله علما، ولم يقارب من اليقين بالله شيئا، ولذلك كان حشو العامة من اليقين بالله برءاء، ولما التبس بقلوبهم وأنفسهم من ذلك واعتقاده اقتادهم وليهم إبليس بالمعصية في قياده، فحثوا له بالعصيان لله سراعاً عَنَقاً(١)، وآثروا رضاه على رضا الله إذ لم يؤمنوا به فسقا، فبدلوا معالم أموره، وعموا عن ضياء نوره، ثم لم يزدادوا في العمى عن الله إلا تماديا، ولم يجيبوا له إلى الهدى من الهادين إلى الله داعيا، وعدوا إساءتهم فيما بينهم وبين الله إحسانا، وكفرهم بالله ورسله وكتبه إيمانا، وجعلوا لله مثل السوء ولهم المثل الأعلى، فتبارك الله عما قالوا به عليه وتعالى، ونسبوا إلى الله سبحانه جور الحكم، وبرأوا أنفسهم من الجور والظلم، وهم بما نسبوا إليه سبحانه من الجور والظلم أولى، وله سبحانه لا لهم المثل الأعلى، ومثل السوء فلهم كما قال سبحانه وهم كاذبون: {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ ٦٢}[النحل]، وقال سبحانه: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ٦٠}[النحل].
  ولعمري ما آمن بالآخرة مصدقا، ولا وُجد لما حقق الله منها محققاً - من أكذب وعدها ووعيدها، وأنكر من جزاء المحسن والمسيء عتيدها، والله يقول سبحانه: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ
(١) العنق بفتحتين: ضرب من المسير فسيح سريع. (مصباح).