العالم والوافد
  وإلى نعمه عليهم فيشكرون، ولا إلى من كان قبلهم فيعتبرون، ولا إلى ذنوبهم فيستغفرون، ولا إلى ما وعدهم الله في الآخرة فيحذرون، أفلا يستحي من آمن بالله أن يراه مع أولئك مقيماً لابثاً، ومساكناً مواسياً، وحاضراً مجالساً؟
  وأما الثانية: فإن الله أعطى وقضى، يعطي وهو راضٍ، أفلا يستحيي العبد من الله أن يرضى برضا ربه عند العطاء ولا يرضى برضاه عند القضاء كما يرضى برضاه عند العطاء؟
  وأما الثالثة: فإن الله يرضى لعباده الجنة، ويأمر بالعمل لما يصلح لها، فيعملُ العبدُ ما لا يرضي الله، ويكره ما يرضى الله له من الخير، ويرتكب المعاصي والشرور، ولا يرضى برضا الله له.
  ويكون له ولد يحبه ويريده للدنيا، وربما قبضه الله إليه وهو له ولي، أفلا يرضى العبد بقضاء الله كما يرضى أولاً بعطائه؟ وهو يعلم أن موت ولي الله خير له من حياته في هذه الدنيا الفانية، المحشوة هموماً وغموماً، ونغصاً وغصصاً، وآفاتاً وشروراً.
  قال الوافد: فما وراء ذلك يرحمك الله؟
  قال العالم: وراء ذلك الاستقامة، أما سمعت الله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُم اسْتَقَاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِم الْملَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت: ٣٠].
  قال الوافد: بين لي ذلك؟
  قال العالم: الاستقامة هي أن الدنيا قيامة، فلا يلتفت فيها إلى كرامة، ولا يبالي