مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

العالم والوافد

صفحة 213 - الجزء 2

  أمله بأجله، وخرج من الشك إلى اليقين، فقلبه متعلق بحب الآخرة وجسده في الدنيا، أحب الأشياء إليه الخروج من الدنيا إلى الآخرة، فقلبه وجل، ودمعه عجل، وصوته ضعيف، وكلامه لطيف، وثقله خفيف، وحركته إحسان، وتقلبه إيمان، وسكوته إيمان.

  قال الوافد: فما وراء ذلك يرحمك الله؟

  قال العالم: حب الحق وبغض الباطل، وحب من أطاع الله قريباً كان أو بعيداً، وبغض من عصى الله قريباً كان أو بعيداً.

  قال الوافد: كيف أحب من أطاع الله قريباً أو كان بعيداً؟

  قال العالم: يسرك ما يسره ويسوؤك ما يسوؤه، وتدخل السرور عليه، وإن كان أعلم منك تعلمت منه، وإن كنت أعلم منه علمته، وحفظته في محضره ومغيبه، وواسيته وأعنته ورعيت صحبته، وجعلت ذلك لله وفي الله، ولا يكون في ذلك مَنٌّ ولا أذى.

  قال الوافد: فما وراء ذلك يرحمك الله؟

  قال العالم: وراء ذلك الحياء من الله.

  قال الوافد: بين لي ذلك.

  قال العالم: ذلك على ثلاث: أولهن: أن يعلم العبد أن طاعة الله عليه، وأن رزقه على الله، أفلا يستحي العبد من الله أن يراه حريصاً على رزقه كسلاناً عن طاعة ربه؟ يمن على قوم، أجسادهم معافاةٌ وعقولهم ثابتة، وقلوبهم آمنة، ونفوسهم طيبة، قد أحسن إليهم فلا ينظرون إلى شيء من قدرة الله فيتفكرون،