مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[وله أيضا # موعظة أخرى]

صفحة 290 - الجزء 2

[وله أيضاً # موعظة أخرى]⁣(⁣١)

  

  والحمد لله وبه أستعين، أما بعد:

  فإن الدنيا دار غرور، لا يدوم فيها سرور، ولا يؤمن فيها محذور، جديدها يبلى، وخيرها يفنى، من وثق بها خدعته، ومن اطمأن إليها صرعته، ومن أكرمها أهانته، أفراحها تعقب أحزانا، ولذاتها تورث أشجانا.

  أما بعد، فإن أعمار الدنيا قصيرة، ورحاها مديرة، وسهامها قاصدة، وحتوفها راصدة، والمغرور من اغتر بها، والمخدوع من ركن إليها، من زهد فيها كفيها، ومن رغب عنها وطيها، قد غرت القرون الماضية، وهي على الباقين آتية، فيا بؤسا للباقين، لا يعتبرون بالماضين، يجمعون للوارثين، ويقيمون في محلة المتحيرين.

  أما بعد، فاقنع باليسير، وبادر بالتشمير، وإياك والتغرير، وانظر إلى ما تصير، فليس الأمر بصغير، وهيئ زادك للمسير، فقد أتاك النذير.

  أما بعد، فقد وضح لك الطريق، فلا تحيدن عن الجادة إلى المضيق، فقد مضت الأيام، وذهبت الأعوام، وفنيت الأعمار، وأحصيت الآثار، وعن قليل تدعى فتجيب⁣(⁣٢)، وتظعن فتغيب، فعجباً لقلبك كيف لا يتصدع؟! وعجباً لركنك كيف لا يتضعضع؟! وعجباً لجسمك كيف لا يتزعزع؟!


(١) كذا في نخ (٧١٢).

(٢) في (نخ): فلا تجيب.