مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[وله أيضا # موعظة أخرى]

صفحة 293 - الجزء 2

  روح الدنيا إلى ضيق اللحد وخشونة المتكأ⁣(⁣١)، فتيقظ من نومة الغافلين، وانتبه من وسنة الجاهلين، وانظر بعينك إلى مصارع المغترين، ومضاجع المستكبرين، أليس ديارهم خالية وأجسادهم بالية، [ومساكنهم مقفرة، وعظامهم نخرة، وعروقهم بالية]⁣(⁣٢) وأيامهم فانية؟

  أما بعد، فإنك لو رأيت يسير ما بقي من عمرك وأجلك لزهدت في طول ما ترجو من أملك، ورغبت في الزيادة من عملك، فإنك إنما تلقى غداً في حفرتك، وتخلى في وهدتك، ويتبرأ منك القريب، ويتسلى منك الحبيب، فلا أنت إلى أهلك راجع، ولا في عملك زائد، سارع فاعمل ليوم القيامة قبل الحسرة والندامة.

  أما بعد، فلا يمل بك الأمل الكاذب، ولا تكن كالشاهد الغائب، فإنك والقوم على بساط واحد، والموت يأتي على كل صادر ووارد، فلا يذهبن قولي عنك صفحا، فإني لم آلك حضاً ونصحا، فإن تقبل نصيحتي فأنت بذلك أسعد، وبها أعلى عيناً⁣(⁣٣) وأرشد، وعن قليل يأتيك الخبر، فالحذر الحذر، فإنه يأتي أسرع من لمح البصر.

  أما بعد، فإن الدنيا بحر عميق، ولنيرانها تلهب وحريق، ولطرقها مفاوز⁣(⁣٤) ومضيق، فالحذر إذاً لبعد مفاوزها ومضيقها، فأعد عدة سير تزحزح بها عن تلهبها وحريقها، واتخذ سفينة تنجو بها من عميق بحرها، وقرب عليك الأجل


(١) في (أ): متكأة.

(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).

(٣) في المطبوع: غنيا.

(٤) في (أ، ب): مغادر.