وله # موعظة لبعض إخوانه واعظا ومذكرا وحافظا لأمر الله ومبصرا
  قصير آجالهم طويلا، فأفنوا أيام حياتهم بالغفلة منى وتأميلا، حتى عاينوا نازل الموت بكل حسرة وفوت، فأيقنوا عند نزوله بباطل المنى؛ إذ ذاقوا الموت والفناء، وعلموا أن قد كان قصيرا ما استطالوا من حالهم، وغرورا وخداعة ما كانوا فيه من مناهم وآمالهم.
  يا أخي، واعلم أن الأجل حثيث الفناء، ليس لأحد معه - والله المستعان - من بقاء، لا يقف والحمد لله من أهله على من استوقفه، ولا يغفل لمحاذرة سرعة انقطاعه من عرفه، وكيف يغفله عارف به أو موقن بمعاده إلى ربه مع ما يرى من مره وحثه، وقلة تعريجه ولبثه؟ فهو دائب الحث، غير ذي إبطاء ولا لبث، يقطع منه ساعاته الليالي والأيام، ويقطع أيامه ولياليه منه الشهور التوآم، وكذلك جعل الله شهوره تقطع بمرها سنينه ودهوره، فدهره قصير، وعمره يسير، لا يطرف أحد من أهله طرفا إلا اقترب من فناء مدته زلفا، فأنفاسه ولحظاته تطويه، وساعاته وأوقاته تفنيه، يقظان كان أو نائماً، ومقيما كان أو ظاعنا، تحثه بحداء، وتدعوه بنداء، ساعات نهاره وليله، بل أنفاس عمره وتأجيله، فهو ظاعن سائر، وإن كان به غير شاعر(١)، وكأن قد أفضت أسفاره فيما يسير به ليله ونهاره، فورد محلة مثواه ومقامه، وفنيت مدة أجله وأيامه، فأقام فيه مخلدا، وبقي بعد سرمدا في حبرة ونعيم أو عذاب أليم، وقد قر في أيهما صار إليه قراره، وانقطعت فيه عنه ظنونه واغتراره، لا يزداد من أعماله في حسنة زكية، ولا يستعتب في حسنة ولا خطية، قد لزمته سعادته وشقاؤه، ودام في أيهما كان خلده
(١) في (نخ): لا يشعر.