مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

القول في الماء القليل

صفحة 347 - الجزء 2

  عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}⁣[المزمل: ٢٠]، فدل قوله سبحانه: أقيموا الصلاة، وتوكيده فيها - جل ثناؤه - القراءة على أن ذلك فرض لا نافلة، وأن ما أمر الله فيها فريضة لازمة، إذ لم يذكرها عن رسوله تنفلا، ولا منه ~ تطوعا، ولا زيادة على ما يجب ويحق فرضا من الصلاة عليه، كما ذكر النافلة وما جعل له بها وفيها من القربة إليه، فقال سبحانه: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ٧٩}⁣[الإسراء]، فجعل تبارك وتعالى بين أمره بالفريضة والنافلة والإباحة فصولا بينة وحدودا.

  فإن قال قائل: فأين الأمر بالإباحة التي قلتم والفصل بين الأمور الثلاثة؟

  قيل له: قول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}⁣[المائدة: ٢]، فهذا هو الإباحة والتوسعة، لا من الفرائض والنوافل المتطوعة.

  وبعد الذي قلنا به من الأوقات القول - ولا قوة إلا بالله - في الطهارات، فبيان ذلك والحمد لله عن كتاب الله بيان ليس فيه التباس ولا أفانين كما فننوها كثيرة، لا يعرض فيها - لمن أنصف من نفسه - غلط، ولا تجوز بقصد ما حكم الله منها فرط، بل قصدها قريب منير، وأمرها كلها خفيف يسير، لا يعسر شيء منها على مكلف، ولا يدخلها شيء من التقصير ولا السرف.

  فهي خمس طهارات أصول: النفاس والطمث والاجتناب، فواحدة وهي الغسل بالماء أو التيمم بطيب التراب، فأي ذلك من الماء اغتسل به المغتسل كله فقد طهره - من نفاس كان أو طمث أو اجتناب - غسله، كثر ما تطهر به من الماء