فصل في شيء مما يقال في مطلق الليل والنهار
  فيستحب الإكثار من الذكر من زوالها، وإنْ كان مستحبًا مطلقًا إلا ما قد نَبَّه عليه الشارع دخل في الاستحباب دخولًا أوَّليًّا، والله أعلم.
  وعن عبد الله بن السائب(١): أن رسول الله ÷ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ زوال [الشَّمْسُ] قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقَالَ: «إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ» أخرجه الترمذي وحسنه(٢).
  ويستحب مداومة الذكر من عقيب الزوال إلى الغروب؛ لقوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}(٣) قال أهل اللغة: "العشيُّ": من زوال الشمس إلى غروبها(٤) ذكره النووي(٥) عن الأزهري(٦).
  ويتأكد الاستحباب من بعد العصر فإنه الآصال في قوله تعالى: {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}(٧) وقد تقدم النقل في ذلك والتنبيه على أن ما عداه يدخل دخولًا ثانيًا، وقد تقدم التنبيه على تأكد الذكر والقعود له بعد صلاة الفجر والعصر في حديث أنس.
  نعم: فإذا سمع أذان المغرب فليقل ما روته أم سلمة قالت: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ ÷ أَنْ أَقُولَ عِنْدَ أذَانِ الْمَغْرِبِ: «اللَّهُمَّ هَذَا إِقْبَالُ لَيْلِكَ، وَإِدْبَارُ نَهَارِكَ، وَأَصْوَاتُ دُعَاتِكَ فَاغْفِرْ لِي» أخرجه أبو داود، والترمذي، والحاكم(٨).
(١) عبد الله بن السائب المخزومي قارئ أهل مكة أبو السائب، وقيل: أبو عبد الرحمن له صحبة ورواية يسيرة وهو من صغار الصحابة. ينظر: الذهبي، معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار: (١/ ٤٧ رقم ١٠).
(٢) أخرجه الترمذي في سننه: (٢/ ٣٤٢ رقم ٤٧٨) وقال: «حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ».
(٣) سورة غافر: ٥٥.
(٤) ينظر: الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد: تهذيب اللغة، تحقيق: عمر سلامي، وعبد الكريم حامد، دار إحياء التراث العربي - ط ١ (١٤٢١ هـ/٢٠٠١ م): (٨/ ٣٥).
(٥) ذكره النووي في الأذكار: (١/ ١٧٢ رقم ٤٧٤، ٤٧٥، ٤٧٦).
(٦) محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور، ولد سنة (٢٨٢ هـ)، أحد الأئمة في اللغة والأدب، توفي سنة (٣٧٠ هـ)، له: تهذيب اللغة"، و"تفسير القرآن" و غيرهما. ينظر: ابن خلكان، وفيات الأعيان: (٤/ ٣٣٤)، والزركلي، الأعلام: (٥/ ٣١١).
(٧) سورة الأعراف: ٢٠٤.
(٨) أخرجه أبو داود في سننه: (١/ ٣٩٨ رقم ٥٣٥)، والترمذي في سننه: (٥/ ٥٧٤ رقم ٣٥٨٩) بلفظ: " قُولِي: اللَّهُمَّ هَذَا اسْتِقْبَالُ لَيْلِكَ وَاسْتِدْبَارُ نَهَارِكَ، وَأَصْوَاتُ دُعَاتِكَ وَحُضُورُ صَلَوَاتِكَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَغْفِرَ لِي " وقال «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الوَجْهِ» وَحَفْصَةُ بِنْتُ أَبِي كَثِيرٍ لَا نَعْرِفُهَا وَلَا أَبَاهَا " والحاكم في مستدركه (١/ ٣١٤ رقم ٧١٤) قال «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ».