فصل: فإن أراد الحج
  ذَا الْحُلَيْفَةِ(١)، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ(٢)، مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ(٣)، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ ÷: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: «اغْتَسِلِي، وَ اسْتَثْفِرِي(٤) بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي» فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ ÷ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ(٥)، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ(٦)، نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ، مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللهِ ÷ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ «لَبَّيْكَ اللهُمَّ، لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ» وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ ÷ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللهِ ÷ تَلْبِيَتَهُ، قَالَ جَابِرٌ ¥: لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ #، فَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}(٧) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبِي يَقُولُ - وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ ÷: كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}(٨) «أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ» فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ،
(١) ذو الحليفة: قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة، ومنها ميقات أهل المدينة. ينظر: الحموي، معجم البلدان: (٢/ ٢٩٥).
(٢) أسماء بنت عميس الخثعمية، أسلمت مع زوجها جعفر، وهاجرت الهجرتين، روى عنها أولادها عبد الله وعونًا ومحمد، قتل زوجها جعفر فتزوجها أبو بكر، ولما توفي تزوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب #. ينظر: ابن الأثير، أسد الغابة: (٧/ ١٢ رقم ٦٧١٣).
(٣) محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة ربيب أمير المؤمنين، وكان يعده ولدًا استشهد بمصر، سنة ٣٨ هـ، وحزن عليه الوصي حزنًا شديدًا. ينظر: المزي، تهذيب الكمال: (٢٤/ ٥٤١)، والقاسمي، الجداول الضغرى: مخطوط.
(٤) (واستثفري): أي اجعلي موضع خروج الدم عصابة تمنع الدم. ينظر: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث: (٤/ ٢٣٥).
(٥) (القصواء): أي النَّاقةَ المقطوعةَ طَرَفِ أُذُنِها. ينظر: الخطابي، غريب الحديث: (٣/ ٢٤١).
(٦) في (أ) نظرت إليه إلى مد بصري. (مد بصري): أي منتهى بصري. (استوت به ناقته) أي: علت به أو قامت مستوية على قوائمها. والمراد أنه بعد تمام طلوع البيداءلا في أثناء طلوعه. (البيداء): المفازة. وههنا اسم موضع قريب من مسجد ذي الحليفة.
(٧) سورة البقرة: ١٢٥.
(٨) سورة البقرة: ١٥٨.