فصل: فإن أراد الحج
  وفيه: «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فإنكم.» إلخ(١) ومعنى أربعوا: أرفقوا بأنفسكم، وهو بفتح الباء أربَعوا، انتهى.
  ولنذكر من صفات الحج تبركا: (حديث جابر الطويل وإن كنا قد التزمنا في الأصل الإضراب عن أذكار الحج، لكنه لا يخلو من فائدة؛ لسعته)(٢).
  فنقول: حديث جابر الطويل المشهور الجليل أخرجه مسلم في صحيحه(٣) بسنده إلى جعفر الصادق، عن أبيه محمد الباقر رضوان الله عليهما، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْن عبد اللهِ، فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ(٤)، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ، يَا ابْنَ أَخِي، سَلْ عَمَّا شِئْتَ، فَسَأَلْتُهُ، وَهُوَ أَعْمَى، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ(٥) مُلْتَحِفًا بِهَا، كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا، وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ، [وثوبه](٦) عَلَى الْمِشْجَبِ(٧)، فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ ÷، فَقَالَ: بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ÷ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ÷ حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ ÷، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ، حَتَّى أَتَيْنَا
= كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟»، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بَاللَّهِ». ذكره الويسي في السَّفِيْنَةُ المُنْجِيَةُ: (ص ٧٨)، وعزاه إلى المرشد بالله في الأمالي الخميسية: (١/ ٣١٧ رقم ١١٠٨).
(١) أخرجه أحمد في مسنده: (٣٢/ ٢٨٥ رقم ١٩٥٢٠)، والبخاري في صحيحه: (٣/ ١٠٩١ رقم ٢٨٣٠)، ومسلم في صحيحه: (٤/ ٢٠٧٦ رقم ٤٤ - (٢٧٠٤)، وابن ماجة في سننه: (٢/ ١٢٥٦ رقم ٣٨٢٤)، وأبو داود في سننه: (٢/ ٦٣٤ رقم ١٥٢٨)، والترمذي في سننه: (٥/ ٥٠٩ رقم ٣٤٦١)، والنسائي في سننه الكبرى: (٩/ ١٩٨ رقم ١٠٢٩٦)، وتمامه. لا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، وَهُوَ مَعَكُمْ ".
(٢) ما بين القوسين ساقط من (ج).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه: (٢/ ٨٨٦ رقم ١٤٧ - (١٢١٨)).
(٤) فعل ذلك ملاطفة للزائر له. شرح النووي: (٨/ ١٧١).
(٥) «فقام في نساجة ملتحفا بها» هي ضرب من الملاحف منسوجة. ينظر: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر: (٥/ ٤٦).
(٦) ما بين المعقوفتين من المصدر.
(٧) «وثوبه على المِشْجَبَ» عيدان تضم رؤوسها ويفرج بين قوائمها وتوضع عليها الثياب، وقد تعلق عليها الأسقية لتبريد الماء. ينظر: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر: (٢/ ٤٤٥).