[الخلق السادس عشر:] تقديم الأهم فالأهم
  الكفاية، والمضيق على الموسع.
[المقصود الدين لا الدنيا]
  وليعلم أن المقصود هو الدين، لا الدنيا، فلينزلها منزلتها، فإنها دار مجاز، والآخرة دار قرار، فلا يشغل بالدنيا قلبه، إلا ما كان منها للدين، فإنه دين بشريطة القصد الصالح، وأخذ الشيء من وجهه ووضعه في وجهه، والإقلال والقناعة ما أمكن.
  ولا يشتغل بشيء وهو يحسن أفضل منه وله غُنْيَةُ عن المفضول، فقد تقدم ما ورد في الدنيا، والترغيب عنها، وكفى به زاجراً لِأولي النهى، وموقظا لذوي النومة عن النظر للانتهاء.
  ثم ليكن الإنسان وصي نفسه إن عقل، فلا يتغافل عن تخليصها، والتفقد لأحوال دينه، وليلزم الوسط مما يحتمله، ويجانب الإفراط، والتفريط(١)، ولا يؤخر شغل يومه إلى غده، ولا وقت إلى ما بعده، فمن المستهجن تأخير العمل، وإطالة الأمل.
  عن عبد الله بن عمر، قال: أخذ رسول الله ÷ بمنكبي، فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل»(٢). وكان
(١) الإفراط: المجاوزة للحد، يقال: أفرط في حبه: إذا زاد وجاوز الحد فيه. والتفريط: التقصير أو التضييع، يقال فرَّط في عمله: إذا قصَّر فيه أو ضيعه.
(٢) حديقة الحكمة النبوية للإمام عبد الله بن حمزة #، والاعتبار للإمام الموفق بالله # =