المختار من كنز الرشاد وزاد المعاد،

عز الدين بن الحسن بن علي (المتوفى: 900 هـ)

[القسم الأول سبب الغفلة عن الموت وعدم اختيار ما يفضي إلى السعادة الطويلة]

صفحة 20 - الجزء 1

  يؤمن بالحساب كيف يغفل!؟ وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟)⁣(⁣١).

  والسبب في جميع ذلك: حب الدنيا، وطول الأمل.

  وقيل: السبب تركيب الإنسان تركيباً يحتاج فيه إلى دفع المضار العاجلة، قبل حضور وقت المضار الآجلة، فهو في العاجلة مستغرق بدفع مضار: الجوع والعطش، والحر والبرد، والخوف والسقم، والغم والقهر، والإهانة والاستخفاف والشماتة، ونحوها من الأحوال.

  ألا ترى أن تجرعه غصص الموت أهون من تجرعها، فيهون الاهتمام به بالنظر إلى الاهتمام بها.

  وقد أثر عنه ÷: أن أشقَّ من الموت، ما يتمنى الموت من أجله؛ فلذلك هان في قلبه هم ما يعلمه مما يصير إليه في المستقبل من ضرر الموت.


(١) أخرج الإمام الموفق بالله # في الاعتبار وسلوة العارفين [٥٤] رقم (٢٥)، بإسناده مرفوعا عن أنس بلفظ: «كان تحت الجدار الذي ذكر اللّه في القرآن لوح من ذهب فيه: عجباً لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، وعجباً لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجباً لمن يوقن بالنار كيف يضحك، وعجباً لمن يرى زوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه»، وقال # عقيبه: (وقد أسند إلى الصادق هذا الخبر في بعض مواعظه).