[القسم الأول سبب الغفلة عن الموت وعدم اختيار ما يفضي إلى السعادة الطويلة]
  الملك بإحضاره لذلك من مسافة بعيدة، وقد رأى السيف مُصْلَتًا(١)، وشاهد من تأهب(٢) لضرب عنقه، فسار به المأمورون بإحضاره، وهم يطعنونه في جوانبه، بِأَشِظَّةٍ(٣) حادة، لا يسلم منها إلا إذا اتقاها بحَجَفَة(٤) في يده، فما اتقاه من ذلك سَلِمَ مضرتَّه، وقطعَه لجسمه، وما لم يَتَّقِهِ آلَمَهُ؛ فصار مشغولاً مستغَرقَ الذهن باتقاء تلك المطاعن، عن اهتمامه بما هو ساعٍ إليه من ضرب عنقه وإزهاق روحه، حتى هان عليه ما هو ذاهب إليه في جنب ما قد صار فيه.
  [الدواء]
  نعم، فلو أن الإنسان قطع موادَّ(٥) ما شغله عن الاهتمام بالموت من تلك المذكورة، الممثلة بما يَلْحَقُ المُقَدَّمَ للقتل في طريقه، ليُفْرِّغَ قلبه لإدراك همّ الموت، وما بعده، لاشتَغلَ به، واستَغرقَ في ذلك وُسْعَهُ وجُهدَهُ.
  فليستعن العبد على ذلك بما ورد في الحثِّ على ذكر الموت،
(١) مُصْلَتًا: مجردا من غمده، أَصْلَتَ السيفَ جَرَّده مِنْ غِمْده، فَهُوَ مُصْلَتٌ.
(٢) تَأَهَّبَ: تجهَّزَ واستعد.
(٣) الأَشِظَّة: واحدها: شِظَاظ، خُشيبة محددة الطرف.
(٤) الحَجَفَة بحاء مهملة فجيم: واحدةُ الحُجُف، تُرْسٌ يصنع من جلود لا خشب فيها.
(٥) مَوَاد: جمع: مادَّة، وهي كُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ مَدَداً لِغَيْرِهِ، والمدد: الزيادة، والتقوية، والإعانة، والتكثير.