[النوع الرابع عشر:] حب المدح، وكراهة الذم
  الثاني: الصدق، وقصد الإيذاء، والتعنت(١)، فينبغي أن تخطر بخاطرك أنك قد انتفعت بقوله؛ إذ أرشدك إلى عيبك إن كنت جاهلاً له، وأَذْكَرَك إيّاه إن كنت غافلا عنه، وقبحه في عينك يبعث حرصك على إزالته إن كنت قد استحسنته، وكل ذلك من أسباب السعادة، وقد استفدته منه، وما صفتك إلا صفة رجل أراد الدخول على ملك، وفي ثوبه عَذِرَة(٢)، فقيل له: أيها المتلوث بالعذرة، طهر ثيابك عنها، فتلك غنيمة في حقه؛ إذ ربما لو دخل على الملك وحالته تلك لم يأمن أن يسلبه حياته، فأما قصد الذام هذا للإيذاء والتعنت، فجناية على نفسه في دينه، فلا تغضب عليه.
  الثالث: أن يكون مفترياً عليك، وأنت بريء مما عابك به، فلا تكره ذلك، ولا تشتغل بذمه، وانظر في ثلاث جهات:
  أحدها: أنك وإن خلوت عن ذلك العيب - فلا تخلو عن أمثاله، فاشكر الله إذ لم يطلعه على عيوبك، بل دفعه عنك، فلا تشتغل بذكر ما أنت بريء منه.
  الثانية: أن الذي صدر منه من مكفرات ذنوبك ومساوئك، فكأنه بذمه لك قد طهرك من ذنوب قد تلوثتْ بها؛ إذ كل
(١) التعنت هنا بمعنى: طلب الزلة والخطأ، أي أن القصد هو الإيذاء وطلب الخطأ.
(٢) عذرة ككلمة: مفرد عذرات: الغائط (الخراءة).