باب الجهاد والحث عليه
  قال: الله، يا أمير المؤمنين. فقال علي #: لا تحويه الحجب. الكلام بطوله، فقال: يا أمير المؤمنين، (فما كفارة)(١) قولي؟ قال: لا كفارة له؛ لأنك حلفت بغير ربك. ولم يأمره إلى المدرسة واستفزه للجهاد.
  ونحن نرى المرابط يتمكن من قسط من الفائدة وافر، وترك المبرز في العلم للجهاد يحبط ثوابه، ولا عذر له بأن يأذن له نائب الإمام في التخلف؛ لأن الإمام لو أذن لمن لا غنى عن حضوره لم يخلص فكيف بنائبه، ولا عذر له عن الجهاد بقوله لا أقدر على المشي إلا أن يعلم من نفسه العجز عنه فيكون كالزمن، ووجب استئذان الإمام أو طلب مركب، فأما مجرد المشقة فمشقة الجهاد أعظم، وقد كان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه من(٢) يحمل الحمل المثخن وهم يمشون، كما فعل أبو ذرٍ في غزوه تبوك.
  ومن اعتقد إمامة الإمام ولم يجد ما يقوم به للجهاد من سلاح وركوب ولم يجد الإمام ما يعطيه لعذر مانع، إن هذا الفرض ساقط عنه في تلك الحال؛ لأن الله تعالى يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا}[الطلاق: ٧].
  ويجب على المجاهد أن ينوي طاعة الله تعالى وإعزاز دينه، فأما حب الثناء والمدح فالنفوس مجبولة عليه، ولا يجوز للناس ترك ما أمروا به من الجهاد مخافة الضرر في النفس والمال؛ لأن الجهاد بنفسه إنما هو لتعريض النفوس للتلف لقوله: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ}[التوبة: ٤١] بخلاف سائر الفرائض.
(١) في (ب): ما كفارة.
(٢) زيادة في (ب).