باب الهجرة والحث عليها
  داحضة خاسئة بقوله(١) تعالى: {قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ}[النساء: ٩٧] فرد ذلك تعالى بقوله: {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}[النساء: ٩٧].
  فأماّ إقامة نوح فهو نبي مرسل فرضه مجاورة الكافرين ومجاورتهم إلى حد الإياس ووجبت الهجرة، كما قال تعالى حاكياً عن إبراهيم #: {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي}[العنكبوت: ٢٦] وكانت هجرة نوح # إلى السفينة، قال تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِر فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ}[القمر: ١٠ - ١٤] وكذلك موسى وهارون @ لما وقع الإياس هاجروا، وقصص الأنبياء $ بذلك معلومة، فإقامتهم كانت بالأمر من الله سبحانه لغرض عند ارتفاعه وجبت الهجرة والإنفصال.
  وأمور من تقدم من العلماء الذين أقاموا في بلاد الغز وهم أهل جبر وتشبيه تحمل على السلامة لصحة اعتقادهم أولاً؛ لأن الدار استوت في الحكم فتعذر عليهم الانتقال إلى جهة تجب المهاجرة إليها على أن للعلماء حكماً خاصاً، وهو أنهم ورثة الأنبياء كما رويناه بالإسناد، وفرض الأنبياء $(٢) معاشرة الكفار لإبلاغ الحجة عليهم، فكذلك العلماء، فلو هرب العالم بعلمه لكان قد أخل بما وجب عليه لربه من البيان في الفعل والترك، والنفي والإثبات.
  ومن هاجر من دار الحرب وله فيها مالٌ أو دين وعليه لأهل الدار دينٌ سقطت
(١) في (ب): لقوله.
(٢) سقط من (أ).