المهذب في فتاوي الإمام المنصور بالله،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

باب الهجرة والحث عليها

صفحة 495 - الجزء 1

  وكذلك سعد بن أبي وقاص وضربه للمشرك بلحى بعير ميت فشجه شجة عظيمة، وهو أول من أسال دم الكفار في دعوة النبي ÷ فأمرهم الله بالهجرة، وكانت الدار في هذه الحال⁣(⁣١) دار كفر لما كان الغالب الكفر.

  ومن أقام في دار الحرب مساكناً ومتابعاً لهم تجري عليه أحكامهم وتنفذ فيه أوامرهم بغير إذن الإمام، أو جاورهم أكثر من سنة فإن حكمه يكون حكمهم، ولا تعصمه طاعاته؛ لأن إخلاده إلى القوة⁣(⁣٢) ينقض حكم إيمانه شرعاً، وقد قال تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}⁣[هود: ١١٣]، ولا يسلم⁣(⁣٣) بقاء الإيمان لمن اختار سكنى دار الكفر سواءً كان رجلاً أو امرأةً ممن يتمكن من الخروج بأي سبب كان، حتى أنه يجوز للمرأة الخروج من دار الكفر من غير محرمٍ، ولا يجوز في سائر الأسفار، كما فعلت أم سلمة رحمها الله في خروجها إلى المدينة، وزينب ابنة رسول الله صلى الله عليه في خروجها مرتين بغير محرم مرة⁣(⁣٤) مع أخ زوجها وليس لها بمحرم، ومرة مع رجل آخر من المشركين.

  فأما من لم يتمكن بوجه من الوجوه من الخروج لضعف وفقد دليلٍ وقلة تمكن فإيمانه باقٍ وحرمته باقية، وإن أمكن المسلمين تمييزه عند الظهور على الدار ميز حكمه وإلا لحقه ما لحق القوم في الدنيا وميزه الله في الآخرة، ولا أعظم من كونالمؤمن ظهيراً للمجرمين؛ لأن أشد المظاهرة وأعظمها تقويتهم بالخراج وكونهم مستضعفين فيما بينهم لا يخرجهم عن حكمهم، ألا ترى أن الله تعالى رد حجتهم


(١) في (ب): الحالة.

(٢) في (ب): القوم.

(٣) في (ب): ولا نُسلم.

(٤) زيادة في (ب).