(49) شرح إعراب سورة الحجرات
  والضحاك {لا تُقَدِّمُوا}(١) وزعم الفراء(٢) أن المعنى فيهما واحد. قال أبو جعفر: وإن كان المعنى واحدا على التساهل فثمّ فرق بينهما من اللغة قدّمت يتعدّى فتقديره لا تقدّموا القول والفعل بين يدي رسول الله ﷺ، وتقدّموا ليس كذا، لأن تقديره لا تقدموا بالقول والفعل.
  {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ٢}
  {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ} قال إبراهيم التيمي: فقال أبو بكر الصديق ¥: يا رسول الله لا أكلمك إلا أخا السّرار. قال ابن أبي مليكة قال عبد الله بن الزبير: فكان عمر بعد نزول هذه الآية لا يسمّع النبيّ ﷺ كلامه حتّى يستفهمه. وقال أنس: تأخّر ثابت بن قيس في منزله، وقال: أخاف أن أكون من أهل النار حتّى أرسل إليه النبيّ ﷺ: «لست من أهل النار»(٣) وعمل جماعة من العلماء على أن كرهوا رفع الصوت عند قبر النبيّ ﷺ وبحضرة العلماء وفي المساجد، وقالوا: هذا أدب الله جلّ وعزّ ورسوله #، واحتجّوا في ذلك بحديث البراء وغيره، كما قرئ على بكر بن سهل عن عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن المنهال عن زاذان أبي عمرو عن البرآء قال: خرجنا مع النبيّ ﷺ في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد فجلس النبيّ ﷺ وجلسنا حوله كأنّ رؤوسنا الطير، والنبيّ ﷺ مكبّ في الأرض فرفع رأسه وقال: «استعيذوا بالله من عذاب القبر»(٤) مرّتين أو ثلاثا، وذكر الحديث. فكان فيما ذكرناه فوائد: منها خروج النبيّ ﷺ فدلّ هذا على أنه لا ينبغي لإمام ولا لأمير ولا قاض أن يتأخر عن الحقوق من أجل ما هو فيه، وفيه مجلس النبيّ ﷺ وجلسنا حوله كأنّ على رؤوسنا الطير، أي ساكنين إجلالا له فدلّ هذا على أنه كذا ينبغي لمن جالس عالما أو واليا يجب أن يجلّ، كما روى عبادة بن الصامت عن النبيّ ﷺ أنه قال: «ليس منّا من لم يجلّ كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا»(٥). {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} الكاف في وضع
(١) انظر البحر المحيط ٨/ ١٠٥، والمحتسب ٢/ ٢٧٨.
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٦٩.
(٣) انظر البحر المحيط ٨/ ١٠٦.
(٤) أخرجه أحمد في مسنده ٤/ ٢٨٧ و ٦/ ٣٦٢، وأبو داود في سننه (٤٧٥٣)، والترمذي في سننه (٣٦٠٤)، وذكره التبريزي في مشكاة المصابيح (١٦٣٠)، والهيثمي في مجمع الزوائد ٣/ ٤٩، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١٠/ ٤٠٠، وأبو نعيم الحلية ٨/ ١١٨.
(٥) ذكره الحاكم في المستدرك ١/ ١٢٢، والطبراني في المعجم الكبير ٨/ ١٩٦، والهيثمي في مجمع الزوائد =