(49) شرح إعراب سورة الحجرات
  نصب أي جهرا كجهر بعضكم لبعض. {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ} «أن» في موضع نصب فقال بعض أهل اللغة: أي لئلا تحبط أعمالكم، وهذا قول ضعيف إذا تدبّر علم أنه خطأ، والقول ما قاله أبو إسحاق هو غامض في العربية قال: المعنى لأن تحبط وهو عنده مثل: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً}[القصص: ٨]. {وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} قيل: أي لا تشعرون أنّ أعمالكم قد حبطت.
  {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ٣}
  {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ} اسم إنّ، ويجوز أن يكون الخبر {أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى} ويكون «أولئك» مبتدأ، و «الذين» خبره، ويجوز أن يكون {الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى} خبر إنّ و «أولئك» نعتا للذين، ويجوز أن يكون خبر إنّ {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}.
  {إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ٤}
  {إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ} اسم «إنّ» والخبر {أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} ويجوز أن تنصب أكثرهم على البدل من الذين وقرأ يزيد بن القعقاع {الْحُجُراتِ} بفتح الجيم. وقد ردّه أبو عبيد على أنه جمع الجمع على التكثير. جمع حجرة على حجر ثمّ جمع حجرا على حجرات. قال أبو جعفر: وهذا خلاف قول الخليل وسيبويه، ومذهبهما أنه يقال: حجرة وحجرات وغرفة وغرفات فتزاد منها فتحة فيقال: حجرات وركبات وتحذف فيقال: حجرات وركبات، كما يقال: عضد عضد. وروى الضحاك عن ابن عباس: إنّ الّذين ينادونك من وراء الحجرات إعراب من بني تميم منهم عيينة ابن حصن صاحوا ألا تخرج إلينا يا محمد، اخرج إلينا يا محمد. {أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} ما في هذا من القبح.
  {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٥}
  {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} أي عند النداء {حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً} أي لكان الصبر خيرا لهم، ودلّ صبروا على المضمر. {وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} غفر لهم ورحمهم لأنهم لم يقصدوا بهذا استخفافا، وإنما كان منهم سوء أدب.
= ٨/ ١٤، والمتقي الهندي في كنز العمال (٥٩٨٠)، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٦/ ٢٥٩، والطحاوي في مشكل الآثار ٢/ ١٣٣.