إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(59) شرح إعراب سورة الحشر

صفحة 264 - الجزء 4

  يقومون، ودخلت اللام في الأول لأنه شرط للثاني، وكذا ما بعده، وكذا {ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} معطوف عليه، ويجوز أن يكون مقطوعا منه.

  {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ١٣}

  أي في صدور بني النضير من اليهود، ونصبت رهبة على التمييز. {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} أي من أجل أنّهم قوم لا يفقهون قدر عظمة الله جلّ وعزّ فهم يجترءون على معاصيه ولا يتخوّفون عقابه.

  {لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ١٤}

  نصبت {جَمِيعاً} على الحال، وقرية وقرى عند الفرّاء شاذّ كان يجب أن يكون جمعه قراء مثل غلوة وغلاء. قال أبو جعفر: وأنكر أبو إسحاق هذا وأن يقال شاذّ لما نطق به القرآن، ولكنه مثل ضيعة وضيع جاء بحذف الألف.

  وقيل: هو اسم للجميع. {أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} وقرأ أبو عمر وابن كثير أو من وراء جدار⁣(⁣١) وحكي عن المكيين {أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ} بفتح الجيم وإسكان الدال، ويجوز جدر على أن الأصل جدر فحذفت الضّمة لثقلها. وجدر لغة بمعنى جدار، وجدار واحد يؤدّي عن جمع إلا أن الجمع أشبه بنسق الآية لأن قبله {إِلَّا فِي قُرىً} ولم يقل: إلّا في قرية {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً} مفعول ثان لتحسب، وليس على الحال. {وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} قال قتادة: أهل الباطل مختلفة أهواؤهم مختلفة أعمالهم، وهم مجتمعون على معاداة أهل الحقّ. قال مجاهد: {وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} لأن بني النضير يهود والمنافقين ليسوا بيهود. وفي حرف⁣(⁣٢) ابن مسعود وقلوبهم أشتّ يكون أفعل بمعنى فاعل أو يحذف منه «من» {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} أي لا يعقلون ما لهم فيه الحظّ مما عليهم فيه النّقص.

  {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ١٥}

  {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} المعنى مثلهم كمثل الذين من قبلهم حين تمادوا على العصيان فأهلكوا. واختلف أهل التأويل في {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} هاهنا فقال ابن عباس: هم بنو قينقاع، وقال مجاهد؛ هم أهل بدر. والصواب أن يقال في هذا: إنّ الآية عامة


(١) انظر البحر المحيط ٨/ ٢٤٧. انظر تيسير الداني ١٧٠ (قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر الجيم وألف بعد الدال، وأمال أبو عمرو فتحة الدال والباقون «جدر» بضم الجيم والدال).

(٢) انظر البحر المحيط ٨/ ٢٤٨.