إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(59) شرح إعراب سورة الحشر

صفحة 265 - الجزء 4

  وهؤلاء جميعا ممن كان قبلهم. {قَرِيباً} نعت لظرف {ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ} أي ذاقوا عذاب الله على كفرهم وعصيانهم {وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} أي في الآخرة.

  {كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ ١٦}

  الكاف في موضع رفع أي مثل المنافقين في غرورهم بني النضير ومثل بني النضير في قلوبهم منهم كمثل الشيطان. وفي معناه قولان: أحدهما أنه شيطان بعينه غرّ راهبا. وفي هذا حديث مسند قد ذكرناه، وهكذا روي عن علي بن أبي طالب ¥. والقول الآخر أن يكون الشيطان هاهنا اسما للجنس، وكذا الإنسان، كما روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هي عامّة.

  {فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ ١٧}

  {عاقِبَتَهُما} خبر كان وأن وصلتها اسمها. وقرأ الحسن {فَكانَ عاقِبَتَهُما} بالرفع، جعلها اسم كان، وذكّرها؛ لأن تأنيثها غير حقيقي {خالِدَيْنِ فِيها} على الحال. وقد اختلف النحويون في الظرف إذا كرّر فقال سيبويه⁣(⁣١): هذا باب ما يثنّى فيه المستقرّ توكيدا فعلى قوله نقول: إن زيدا في الدار جالسا فيها وجالس لا يختار أحدهما على صاحبه، وقال غيره: الاختيار النصب لئلا يلغى الظرف مرتين، وقال الفرّاء:⁣(⁣٢) إنّ النصب هاهنا هو كلام العرب قال: تقول: هذا أخوك في يده درهم قابضا عليه، والعلّة عنده في وجوب النصب أنه لا يجوز أن يقدّم من أجل الضمير فإن قلت: هذا أخوك في يده درهم قابض على دينار، جاز الرفع والنصب، وأنشد في ما يكون منصوبا: [الكامل]

  ٤٧٦ - والزّعفران على ترائبها ... شرقا به اللّبّات والنّحر⁣(⁣٣)

  قال أبو جعفر: وهذا التفريق عند سيبويه لا يلزم منه شيء، وقد قال سيبويه: لو كانت التثنية تنصب لنصبت. في قولك: عليك زيد حريص عليك. وهذا من أحسن ما قيل في هذا وأبينه لأنه بيّن أن التكرير لا يعمل شيئا. {وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ} قيل: يعني به بني النضير؛ لأن نسق الآية فيهم، وكلّ كافر ظالم.


(١) انظر الكتاب ٢/ ١٢٣.

(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ١٤٧.

(٣) الشاهد للمخبّل السعدي في ديوانه ٢٩٣، ولسان العرب (شرق)، وتاج العروس (شرق)، وبلا نسبة في تاج العروس (ترب)، ولسان العرب (ترب)، والمخصص ٢/ ٢٠.