إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(2) شرح إعراب سورة البقرة

صفحة 33 - الجزء 1

  {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ ١٧}

  ابتداء. {كَمَثَلِ الَّذِي} خبره والكاف بمعنى مثل و {الَّذِي} خفض بالإضافة. {اسْتَوْقَدَ ناراً} صلته. {فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ} «ما»: في موضع نصب بمعنى الذي وكذا إن كانت نكرة إلّا أنّ النعت يلزمها إذا كانت نكرة وإن كانت زائدة فلا موضع لها. و {حَوْلَهُ}: ظرف مكان والهاء في موضع خفض بإضافته إليها. {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} وأذهب نورهم بمعنى واحد. {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ} وقرأ أبو السّمال {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ}⁣(⁣١) بإسكان اللام حذف الضمة لثقلها، ومن أثبتها فللفرق بين الاسم والنعت، ويقال: «ظلمات» بفتح اللام. قال البصريون: أبدل من الضمة فتحة لأنّها أخفّ، وقال الكسائي: ظلمات جمع الجمع جمع ظلم: {لا يُبْصِرُونَ} فعل مستقبل في موضع الحال.

  {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ١٨}

  على إضمار مبتدأ أي هم صمّ: {بُكْمٌ عُمْيٌ} وفي قراءة عبد الله⁣(⁣٢) وحفصة⁣(⁣٣) صمّا بكما عميا⁣(⁣٤) لأنّ المعنى وتركهم غير مبصرين صما بكما عميا، ويكون أيضا بمعنى أعني.

  {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ ١٩}

  الأصل عند البصريين⁣(⁣٥) صيوب ثم أدغم مثل ميّت، وعند الكوفيين الأصل صويب ثم أدغم ولو كان كما قالوا لما جاز إدغامه كما لا يجوز إدغام طويل. وجمع صيّب صيايب والتقدير في العربية: مثلهم كمثل الذي استوقد نارا أو كمثل صيب. {فِيهِ ظُلُماتٌ} ابتداء. {وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} معطوف عليه. {يَجْعَلُونَ} مستأنف وإن شئت كان حالا من الهاء التي في «فيه» فإن قيل: كيف يكون حالا ولم يعد على الهاء شيء؟ فالجواب أنّ


(١) انظر المحتسب ١/ ٥٦، ومختصر ابن خالويه (٢).

(٢) عبد الله بن مسعود بن الحارث الهذلي، أحد السابقين للإسلام والبدريين، عرض القرآن على النبي (ت ٣٢ هـ). ترجمته في غاية النهاية ١/ ٤٥٨.

(٣) حفصة بنت عمر بن الخطاب، جليلة، من أزواج الرسول . روى لها البخاري ومسلم في الصحيحين (ت ٤٥ هـ). ترجمتها في الإصابة تر (٢٩٦) ج ٤/ ٢٧٣.

(٤) انظر مختصر ابن خالويه (٢)، ومعاني الفراء ١/ ٦.

(٥) انظر الإنصاف مسألة ١١٥، والبحر المحيط ١/ ٢١٨.