(9) شرح إعراب سورة براءة
  {ثانِيَ اثْنَيْنِ} نصب على الحال أي أخرجوه منفردا من جميع الناس إلا من أبي بكر ¥ أي أحد اثنين. قال علي بن سليمان: التقدير فخرج ثاني اثنين مثل {وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً}[نوح: ١٧]. {إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا} فأشاد جلّ وعزّ بذكر أبي بكر ¥، ورفع قدره بخروجه مع رسول الله ﷺ وبذله نفسه ولو أراد أن يهاجر آمنا لفعل، وقوله {لا تَحْزَنْ} فيه معنى أمنه كما قال {لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى}[طه: ٦٨] وقال في قصة لوط # {لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ}[العنكبوت: ٣٣] وفي قصة إبراهيم ﷺ {لا تَخَفْ}[الذاريات: ٢٨] وقال {إِنَّ اللهَ مَعَنا} أي ينصرنا ويمنع منا فأوجب لأبي بكر ¥ بهذا التقى والإحسان كما قال جلّ وعزّ {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[النحل: ١٢٨]. {فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} القول عند أكثر أهل التفسير وأهل اللغة أن المعنى فأنزل الله سكينته على أبي بكر لأن النبي ﷺ قد علم أنه معصوم والله جلّ وعزّ أمره بالخروج وأنه ينجيه والدليل على هذا أنه قال لأبي بكر {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا} فسكن أبو بكر ¥، قال الله جلّ وعزّ فأنزل الله سكينته عليه ومعنى الفاء في العربية أن يكون الثاني يتبع الأول، فكما قال لرسول الله ﷺ لا تحزن إنّ الله معنا سكن واطمأن، وليس هذا مثل {فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[الفتح: ٢٦] لأن هذا في يوم حنين لمّا اضطرب المسلمون خاف النبي ﷺ وقد علم أنه في نفسه معصوم، فلمّا أيّد الله المؤمنين ورجعوا سكن النبي ﷺ لذلك وزال خوفه الذي لحقه على المؤمنين، {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها} الهاء تعود على النبي ﷺ فالضميران مختلفان، وهذا كثير في القرآن وفي كلام العرب قال الله جلّ وعزّ {أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[العلق: ١١، ١٢ - ١٣] ثم قال {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى}[العلق: ١٤]. {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى} أي وصفها بهذا، {وَكَلِمَةُ اللهِ} ابتداء. {هِيَ الْعُلْيا} ابتداء وخبر، والابتداء والخبر خبر الأول، ويجوز أن يكون «العليا» الخبر، و «وهي» فاصلة، وقرأ الحسن ويعقوب {وَكَلِمَةُ اللهِ}(١) بالنصب عطفا على الأول، وزعم الفراء أنّ هذا بعيد. قال: لأنك تقول: أعتق فلان غلام أبيه ولا تقول: غلام أبي فلان، وقال أبو حاتم نحوا من هذا، قال: كأن يكون وكلمته هي العليا. قال أبو جعفر: الذي ذكره الفقراء لا يشبه الآية ولكن يشبهها ما أنشده سيبويه: [الخفيف]
  ١٨٦ - لا أرى الموت يسبق الموت شيء ... نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا(٢)
  وهذا جيد حسن لأنه لا إشكال فيه بل يقول النحويون الحذّاق: إنّ في إعادة
(١) انظر مختصر ابن خالويه ٥٢، والبحر المحيط ٥/ ٤٦.
(٢) مرّ الشاهد رقم (٧٠).