إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(9) شرح إعراب سورة براءة

صفحة 120 - الجزء 2

  الذّكر في مثل هذا فائدة وهي أنّ فيه معنى التعظيم. قال الله جلّ وعزّ {إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها}⁣[الزلزلة: ١ - ٢] فهذا لا إشكال فيه. {وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ابتداء وخبر.

  {انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ٤١}

  {انْفِرُوا} حكى الأخفش «انفروا»، {خِفافاً وَثِقالاً} نصب على الحال، وفيه قولان: أحدهما أنه منسوخ بقوله {فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ}⁣[التوبة: ١٢٢]، والآخر أنه غير منسوخ لأن الجهاد فرض إلّا أنّ بعض المسلمين يحمله عن بعض فإذا وقع الاضطرار وجب الجهاد على كلّ أحد.

  {لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ٤٢}

  {لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً} خبر كان. {وَسَفَراً قاصِداً} عطف عليه. {لَاتَّبَعُوكَ} وهذه الكناية للمنافقين لأنهم داخلون فيمن خوطب بالنفير. وهذا موجود في كلام العرب يذكرون الجملة ثم يأتون بالإضمار عائدا على بعضها كما قيل في قول الله جلّ وعزّ {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها}⁣[مريم: ٧١] إنها القيامة ثم قال جلّ وعزّ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا}⁣[مريم: ٧٢] يعني جلّ وعزّ جهنم. حكى أبو عبيدة⁣(⁣١): إنّ {الشُّقَّةُ} السفر، وحكى الكسائي: إنه يقال: شقّة وشقّة.

  {عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ ٤٣}

  {عَفَا اللهُ عَنْكَ} في معناه قولان: أحدهما أنه افتتاح الكلام كما تقول: أصلحك الله كان كذا وكذا، والقول الآخر وهو أولى لأن المعنى عفا الله عنك ما كان من ذنبك في أن أذنت لهم ويدلّ على هذا {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} لأنه لا يقال: لم فعلت ما أمرتك به؟ والأصل «لما» حذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر، وأنّ «ما» قد اتّصلت باللام ولا يوقف عليها إلّا بالهاء لمه.

  {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ٤٤ إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ٤٥}

  {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا} في موضع نصب. قال


(١) انظر مجاز القرآن ١/ ٢٦٠.