إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(13) شرح إعراب سورة الرعد

صفحة 219 - الجزء 2

  {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ٤}

  {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ} ابتداء وخبر، ودلّ بهذا على قدرته جلّ وعزّ {وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ} عطف، ويجوز و «جنات» على «وجعل فيها جنات»، ويجوز أن يكون في موضع خفض عطفا على كلّ {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ} بالخفض⁣(⁣١) قراءة أهل المدينة وأهل الكوفة، وقرأ أبو عمرو وابن كثير (وزرع) بالرفع وما بعده مثله. قال الأصمعي: قلت لأبي عمرو بن العلاء كيف لا تقرأ «وزرع» بالجر؟ فقال: الجنات لا تكون من الزرع. قال أبو جعفر: هذا الذي قاله أبو عمرو | لا يلزم من قرأ بالجر لأنّ بعده ذكر النخيل وإذا اجتمع مع النخيل الزرع قيل لهما: جنة، وحكي عن محمد بن يزيد أنه قال «وزرع ونخيل» بالخفض أولى لأنه أقرب إليه واحتجّ بحكاية سيبويه⁣(⁣٢): خشّنت بصدره وصدر زيد، وأنّ الجرّ أولى من النصب لقربه منه كذا «وزرع» أولى لقربه من أعناب، «صنوان» جمع صنو مثل نسوة ونسوان وقنو وقنوان، وحكى سيبويه قنوان، وقال الفراء: «صنوان» بالضمّ لغة تميم وقيس والكسر لغة أهل الحجاز، فإن جمعت صنوا في أقلّ العدد قلت: أصناء والكثيرة صنيّ وصنيّ. وقرأ الحسن وعاصم وحميد وابن محيصن {يُسْقى} بالياء على تذكير النبت أو الجمع، واحتجّ أبو عمرو للتأنيث بأن بعده {وَنُفَضِّلُ بَعْضَها} ولم يقل بعضه قال أبو جعفر: وهذا احتجاج حسن، وقرأ أهل الحرمين وأهل البصرة {وَنُفَضِّلُ} بالنون، وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما ويفضّل بالياء قال أبو عبيد ونفضّل على الاستئناف، ويفضّل على أول السورة. وهذا شيء قد تقدّم وانفصل بقوله ø {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ}⁣[الرعد: ٤]. قال أبو جعفر: وهذا احتجاج حسن {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} في موضع خفض أي عقلاء.

  {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ٥}

  {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} أي فيجب أن يعجب من قولهم العقلاء لأنه جهل إذ كان الله جلّ وعزّ قد دلّهم على قدرته وأراهم من آياته ما هو أعظم من إحياء الموتى. و «عجب» مرفوع ينوى فيه التأخير على خبر المبتدأ. {أَإِذا كُنَّا تُراباً} العامل في «إذا» كنا لأنه لا يجوز أن يعمل ما بعد إنّ فيما قبلها فإذا قرأ «أإنّا» فالعامل «إذا» فعل محذوف


(١) انظر البحر المحيط ٥/ ٣٥٦، وتيسير الداني ١٠٧.

(٢) انظر الكتاب ١/ ١٢٣.