إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(16) شرح إعراب سورة النحل

صفحة 256 - الجزء 2

  {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ ٧٣}

  {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً} في نصب شيء قولان: أحدهما أن يكون التقدير: لا يملكون أن يرزقوهم شيئا وهو قول الكوفيين⁣(⁣١)، ونصبه عند الأخفش وغيره من البصريين على البدل من رزق. قال الأخفش: والمعنى: لا يملكون لهم رزقا قليلا ولا كثيرا، وقال غيره: لا يجوز أن يكون منصوبا برزق لأنه اسم ليس بمصدر كما لا يجوز: عجبت من دهن زيد لحيته، حتّى يقول من دهن. {وَلا يَسْتَطِيعُونَ} على المعنى لأن «ما» في المعنى لجماعة.

  {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ٧٤}

  {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ} فيه قولان: أحدهما لا تمثّلوا لله جلّ وعزّ بخلقه فتقولوا: هو محتاج إلى شريك ومشاور فإن هذا إنما هو لمن لا يعلم، ودلّ على هذا {إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، والقول الآخر لا تمثّلوا خلق الله جلّ وعزّ به فتجعلوا لهم من الأهبة مثل ما له.

  {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ٧٥}

  {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ} أي من الرقّ. {وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً} أي فكما لا يستوي هذان عندكم فيجب أن لا يسوّوا بين الأصنام وهي لا تعقل ولا تنفع وبين الله جلّ وعزّ في العبادة. {الْحَمْدُ لِلَّهِ} أي على ما دلّنا من توحيده {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} فيه قولان: أحدهما أنّ فعلهم فعل من لا يعلم وإن كانوا يعلمون والآخر أنهم لا يعلمون وعليهم أن يعلموا.

  {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ٧٦}

  {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ} وإذا كان أبكم ضعيفا فهو ثقيل على وليّه أينما يوجّهه أي إن وجهه لشيء من منافع الدنيا لم يأت بخير. {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} معطوف على المضمر في يستوي وهو توكيد، وحسن العطف على المضمر المرفوع لمّا وكّدته لأنه التوكيد يعينه فكأنّه بارز من الفعل.


(١) انظر معاني الفراء ٢/ ١١٠، والبحر المحيط ٥/ ٥٠٠.